"الرمال يفوح منها رائحة الدماء لم يعد لونها أصفر فقد أصبحت أحمر داكن، هنا كانت المعركة صوت السيوف مازال يدوي في أذني و مازالت جثث الجنود ملقاة علي الأرض غارقة في دِمائها أعداد لا تُعد ولا تحصى، لكني مازلت حياً ليس بالمعني الإنساني لكني أتنفس، كنت ملقي علي ظهري مثلهم لكني تمالكت قواي وحاولت الفرار، رأيت جميع الجنود أصدقائي، أقربهم كان ملقي بجواري كان يضم بين يداه خاتم بدأت أسترجع بعض المشاهد، تذكرت ما قاله قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان يبكي من ألم جرحه العميق، بدأ يتمتم بكلمات لم أستطع تكوين منها محتوى، كان قابضاً علي الخاتم وكأنه كل ما يملك، راودتني لقطات من لوحة "العودة للديار" من المؤكد أنه كان يرغب في الموت علي ركبتي حبيبته لكن للقدر رأي آخر؛ احتضنته الأرض برمالها القاسية، لا علي من ذلك ما يهمني الآن هو أنا.
دار صراع لحظي في رأسي أمامي أن أفر هارباً وأكمل حياتي بقلب لا يشعر وعقل لا يفكر وجسد ملىء بالجروح التي محال أن تُشفى وعار الهزيمة يلاحقني، أم أمُت هنا في أرض معركتي الخاسرة مَوتة شريفة وسط الجنود الكِرام ودمائهم النقية؟
لن أستطيع البقاء بنصف إنسان أو كشخص مشوه داخلياً وخارجياً سأموت هنا لا محال.
لكن قبل أن تنتهي رحلتي سوف ألقي نظرتي الأخيرة علي أصدقائي الذين سبقوني إلي المكان نفسه، كدت أفقد وعيي لكني تماسكت واضعاً يدي علي جرحي العميق محاولاً إيقاف النزيف، كنت أتجول بين جثث أصدقائي هل تتخيل ذلك عزيزي القارئ أن يأتي يوم وتتجول وسط جثث أصدقائك المفعمة بدمائها والتي لم يمر علي مقتلهم بضع ساعات؟، كدت أبكي ليس من هزيمتي لكني فقدت الكثير هنا، والكثير سوف أفقده إذا فررت هارباً.
رأيتهم جميعاً غارقون في دمائهم لم يتبق أحد غيري... أحياناً تكون النجاة بحد ذاتها غرق، ودعتهم جميعاً في وداع أخير وبعدها لم أستطع الصمود أكثر من ذلك، سقطت علي الأرض في عدم وعي بما يحدث لكن أعتقد أنها نهايتي، كنت أريد البقاء أكثر من ذلك، يوجد الكثير والكثير عليّ فعله لكن ربما تلك النهايه أفضل من غيرها .
مَرت أمامي حياتي بأكملها من بداية الطفولة إلي لحظتي تلك التي أنظر فيها إلي السماء وتلك آخر نظرة".