تتقدم الأمم بالعلم وترتقي بالتربية؛ لذا نجد أن معظم الدول المتقدمة اهتمت بالتعليم وأولته رعاية خاصة، فهي تعلم علم اليقين أن تقدمها مرهون بمدى تقدم وتطور العملية التعليمية، ومع كثرة المستحدثات التكنولوجية ازدادت تلك العملية صعوبة، حتى أصبح هناك علم يسمى تكنولوجيا التعليم يتخصص فيه العديد من الباحثين، وتكثر فيها النظريات وطرق التدريس، ولكن رغم كل ذلك التطور والتقدم يبقي العنصر البشري (المعلم) هو أساس العملية التعليمية برمتها.
فإن المعلم كان وسيظل هو حجر الأساس الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وإن تغير دوره وتطور. فنجد أن المعلم قديماً كان هو المتحكم في سير عملية التعلم؛ أي يقوم بدور الملقن، أما اليوم أصبح مطالبا أن يكون مرشدا وموجهاً، وفي كلتا الحالتين لا غنى عنه.
لذا من الضرورة أن يكون هذا المعلم قادراً على إدارة تلك العملية بصورة سليمة وصحيحة، ولكي يستطيع ذلك ينبغي أن يكون متمكناً من عملية التواصل بينه وبين طلابه، أو ما يعرف بالتواصل التربوي. وهي عملية مهمة ومحورية في نجاح عملية التعلم؛ بل هي عمادها وحجر الأساس فيها. ويمكننا تعريف عملية التواصل التربوي هنا على أنها “عملية تفاعل بين عناصر العملية التعليمية الثلاثة من إدارة ومعلمين وتلاميذ، حيث يتم من خلالها نقل وتبادل الخبرات، والمعلومات، والأفكار والقيم وذلك للوصول لأقصى درجة ممكنة من الكفاءة والجودة للعملية التعليمية والتربوية وتحقق الأهداف المرجوة منها”.
ومن خلال التعريف السابق نجد أن مكونات عملية التواصل التربوي تتسع للعناصر أكثر من عملية التواصل العادية التي تتم بيننا في حياتنا اليومية، فنجد هنا أنها تتكون من: المرسل (المعلم/طلاب)، والمستقبل (المعلم/طلاب)، والرسالة (المنهج/الدرس المراد شرحه)، قناة التواصل (أدوات التواصل من وسائل تعليمية وغيرها)، قناة التواصل (المدرسة/الفصل/خارج المدرسة)، التعذية الراجعة (الأثر الذي تحدثه الرسالة ومردودها من المستقبل تجاه المرسل)، بيئة التواصل (البيئة التي تحدث فيها عملية التواصل)، التفاعل والتأثير( وهو من أهم عناصر التواصل التربوي وبدونه تصبح عملية اتصال فقط)، وأخيراً والأهم القيمة التربوية.
وسوف نركز هنا على القيمة التربوية التي تميز عملية التواصل والتي يغفلها العديد من المعلمين، تلك الميزة التي لا توجد في أي نوع أخر من عمليات التواصل. حيث لابد أن يكون التواصل التربوي ذا هدف وقيمة يرجى غرسها في وجدان وكيان المستقبل (طلاب)، فليس الهدف هنا هو إيصال المعلومة فقط، وإنما غرس قيمة ما بجانب تلك المعلم، حتى نربى النشء كما نعلمهم.
ومن هنا أدعو كل معلم أن يضع قيمة تربوية ما في أهداف التي يخطط لها عند شرح درس ما، أو مناقشة قضية ما مع طلابه، كما أدعو كل معلم وكل مهتم بالعملية التعليمية من أدراك قيمة التواصل التربوي في نهوض التعليم وتربية جيل يستطيع أن يؤسس مجتمعا نافعا ومتقدما قائما على القيم والمبادئ التي طالما نفتقدها اليوم. فبالتعليم نتقدم وبالتربية نرتقي.