عندما ماتت أمى.. التى هى كانت كل حياتى ودنيتى بكل ما تحمله الكلمة من معانى، تغيرت، نعم تغيرت، ومع كل وداع أو ظلم أو انكسار، كان ينقص شىء داخلى كنت أفقد قطعة من قلبي، وبعض من صفاتى التى مَن الله على بها.
عندما تقسو القلوب وتتحجر، اسألوا عن سبب انكسارها عن سبب تحولها للغلظة بعد اللين والبراءة، اسألوا عن قسوة البشر وظلم الأقدار..
سمعنا حكايات وحكايات عن الملك فاروق وتضاربت الأقوال وتعددت السير الذاتية ودُونت القصص كل من وجهة نظره ولا ننسى أن التاريخ يُسطَرهُ بشر يتركون بصماتهم الشخصية وجزء من وجهة نظرهم لتلك الحقبة من الزمن على قدر حبهم أو كرههم لهؤلاء الرموز التى يصنعها التاريخ، وقد تصنع هى التاريخ يقومون بالتدوين..
كان عندى شغف أن أقرأ وأشاهد وأعرف عن الملك فاروق وحياته لأنى بشكل عام أعشق التاريخ والأساطير، وكم تمنيت أن أعيش فى أزمنة كثيرة مرت علينا أكثر من زمنى الذى عشته أو لم أعشه، ومن ضمن المشاهد التى رأيتها فى أحد الأعمال الفنية التى تحكى السيرة الذاتية للملك فاروق ورأيت مشهدا أعتبره عبقريا.. عندما حدثته أمه أن يوافق على زواجها من حسنين باشا!!! وقتها أحسست انهياره النفسى وبدأ يسدد لأمه كلمات تدمى القلب وتبكى العين، كيف تفكر فى هذا الأمر كيف له أن يتخيل رجل آخر يحتضن أمه؟.
أمه التى لا يحب أحدا أكثر منها، أمه التى لا يشعر بالأمان إلا فى أحضانها، أمه التى كم بكى وكره أباه عندما شعر بظلمه لها، وأنه سبب حزنها بقسوته وتعنته معها، أمه التى لم يستطيع أن يتركها بعد زواجه وجعلها تقيم معه فى القصر، أمه التى يعتبرها التاج الذى يزين رأسه.
وقتها تذكرت عندما ماتت أمى وعرضوا على أبى أن يتزوج امرأة أخرى يكمل معها باقى سنوات عمره التى امتدت بعد موتها بأحد عشر عاما عاشها وحيدا دون رفيقة العمر حتى رحل، وقتها كنت صغيرة ولا أعرف الحياة ولا أفقه أشياء كثيرة، ولكنى أتذكر ما قلته له لو جئت بامرأة بديلة لأمى سألقيها من النافذة قولا واحدا سوف أقتلها، بصراخ دامى رددت هذه الكلمات.
ومع قصة الملك فاروق استخلصت أن المرأة سواء كانت أم أو حبيبة وزوجه تستطيع أن تصنع ملكا أو سلطانا أو رئيسا (( رغم تعدد الأسماء إلا أن المعنى واحد، فالملك أو السلطان أو الرئيس كلهم يحملون نفس الصفات الوظيفية، هى فقط تغيير الألقاب والمسميات حسب الحقبة الزمنية، ولكن صفات ومهام الوظيفة واحدة))، فالمرأة هى من تستطيع أن تصنع الرجال، وهى أيضا من تستطيع أن تقهرهم وتكسرهم، فإذا كان الملك فاروق الذى كانوا يقولون أنه متدين وطيب القلب وخلوق وووو…إلخ، تغير وقالوا إنه تحول وأصبح له مغامرات نسائية وحاول استقطاب بعض الفنانات وأصبح يلهو ويعيش غارقا فى ملذات الحياة، إذا كان هذا حق وحدث فعلا أعتقد بسبب انفلات أمه وما قامت به من فضائح دَونهاَ التاريخ، وما ارتكبته من أفعال شنعاء يَندى لها الجبين، وأيضا رفض فريدة (زوجته وحبيبته) له وطلبها الطلاق وانكساره أمام أمه وحبيبته وزوجته، من المؤكد أن تلك المرأتِين هُن من حولنا فاروق هُن من كُن سبب انكسار الملك.
وأكرر عندما تقسو القلوب وتتحجر، اسألوا عن سبب انكسارها عن سبب تحولها للغلظة بعد اللين والبراءة، اسألوا عن قسوة البشر وظلم الأقدار.
الأم حضن كبير يسع الدنيا كلها، الأم هى الأمان كل الأمان، والحبيبة عشق الروح والملاذ، هنيئا لكل ملك أو سلطان أو رئيس سَوى صنعته أمه وحبيبته.