كعاداتها، دائما ما كانت ترصد لقطات ومشاهد من سينما الحياة غير مرئية أحيانا، وتفاصيل شخوص ترقبها بدقة عن كثب، تتقد الأفكار بمخيلتها إلى حد التنابذ والتشابك حينا، والتطابق حينا آخر. وبينما هى غارقة في فض هذا الاشتباك من تضاد الأفكار، تنتفض على حين غرة وتلتقط القلم تسارع وتخط بأناملها، وتنثر حروفا وكلمات عما يجول بخاطرها من مفارقات الحياة.
لم تعى أو تدرك ذات يوم أو يطرأ على بالها، أن القدر بإبداعاته وقدراته اللامتناهية يجهز ويرسم لنا لوحة سوريالية لليالي طويلة ساكنة محيرة، تفوق إبداع وخيال أشهر فناني هذا العصر. لوحة أحادية اللون مشربة بالحمرة مزخرفة بشعار "لا مساس". دراما حياتية بمشاهد وأفعال يصعب الاعتياد عليها.
نركض في الطرقات وحيدين متباعدين، نشم أريج الزهر، وبأعيننا نحضن اخضرار الشجر، "ولا مساس".
نطبع بالقلب قبلة على وجنتي طفل رضيع، نرمق حركاته وبسمة شفاهه "ولا مساس". نبضات قلب أم ولهفتها على وحيدها الراقد في السرير، "ولا مساس".
مريض مسن يتكئ على عكاز يسير ببطء في الدروب يلتمس المعونة، "ولا مساس". باعة متجولين يدنون رويدا رويدا من زجاج سيارتك، وبإدراك وحس إنساني ترغب بإمداد يد المساعدة، إبان ذلك ودون أن تعي وبحركة لا إرادية تغلق نافذة عربتك مع صوت يعلو ويصرخ آت من الاعماق يذكرك بأنه، "لا مساس".
عالم قديم ينصهر تدريجياً ويتشكل عالم آخر جديد بمنظومات وسياسات مختلفة، عادات اجتماعية وقيم إنسانية لم ندركها بعد. نبث من خلال شاشة حديدية افتراضية تذكرنا دائما بشعار "لامساس".