أحد الأشياء الجميلة في حياة البشر، هو الاستماع إلى الآخرين، وكسب ودهم، وقد توصل علماء النفس الاجتماعي إلى أن الاستماع الجيد إلى الآخرين يزيد من أواصر المحبة، والتقارب الروحي، والعاطفي بين الناس، لكن في هذه الأيام كثرت شكاوي الناس، والحديث عن تفاعلات الحياة اليومية بشكل سلبي، والشعور بالمرارة من سوء الأحوال الاقتصادية، تربية الأبناء، رؤساء العمل والزملاء، أو حتى سوء الأحوال الجوية، وقد أصبحت الشكوى ظاهرة لفتت انتباه العديد من الباحثين للتعرف على الشكوى وتأثيرها النفسي على الشاكي والمحيطين به.
وتختلف سيكولوجية الشكوى من شخص لآخر فبعض الناس يميلون إلى الشكوى بينما يمسك الآخرون بمبدأ التسامح مع الصراع والرغبة في التعامل مع المواقف بشكل إيجابي.
كما أن العوامل الشخصية للفرد تزيد من مستوى الشكوى، فنجد أولئك الذين لا يبدو أنهم راضون أبدًا، ويعرفوا باسم "المشتكين المزمنين" ، فهم لديهم ميل للتأمل في المشاكل والتركيز على السلبيات.
وهناك من ينظر إلى الشكوى كنوع من "التنفيس"، حيث يميلون إلى التركيز على أنفسهم وتجربتهم من خلال إظهار غضبهم أو إحباطهم أو خيبة أملهم، فهم يلتمسون بذلك اهتمام المقربين منهم.
ونرى أناسا آخرين يعتقدون أنهم عندما يشتكون فإنهم يحاولون درء الحسد والعين، وللأسف هذا الأمر نجده كثيرًا، وخاصًة في مجتمعات الدول النامية، إلا أن هذا قد ينعكس بالسلب، حيث إن موانع الحسد والعين لا تحتاج إلى أن يشتكي الإنسان ويزعج من حوله، فإنكار الفضل والنعم بكثرة الشكوى سيزيد من إحتمالية وقوعها.
ويكون المتذمر أو الشاكي في مكانة غير محمودة، وتعتبر صفة سلبية حتى في ثقافات شعوب أخرى، فيسمى الشخص دائما الشكوى شكّاءة (whiny)، بإعتبارها عيبًا لا يمكن أن يطاق.
ويقول الشاعر الكبير إيليا أبوماضي:
أيّهذا الشّاكي وما بك داء... كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس... تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود، وتعمى أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل... من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال... لا يرى في الوجود شيئا جميلا.
ومن الناحية النفسية نجد أن للشاكي تأثيرًا سلبيًا على نفسه والمحيطين به، فالشخص كثير الشكوى يحمل كمًا هائلًا من الغضب على نفسه وعلى من يحيط به، وتشير بعض الأبحاث إلى أن الاعتياد على الشكوى والتركيز على الأمور السلبية، والتعود عليها تؤدي إلى الإحباط واليأس، فأحد الجوانب السلبية للشكوى هو تأثيرها السلبي مزاج الناس، ففي إحدى الدراسات قام الباحثون بتتبع الحالة المزاجية للناس قبل وبعد سماع الشكوى، وتوصلوا إلى أن الاستماع لشكوى الآخرين جعلهم يشعرون بالسوء، والأكثر من ذلك، أن المشتكي شعر أيضًا بالسوء!
ومن سلبيات الشكوى أن طاقتها السلبية معدية؛ حيث تنتقل من الشخص الشاكي إلى المُشتكى إليه تلقائيًا، لذا إذا لم ينجح الشاكي في السيطرة على هذه السلبية، سيجد نفسه وحيدًا في نهاية الأمر، كما أنه يجب أن نفرق بين من يأتي لطرح مشكلة معينة ويطلب المساعدة في حلها، وبين من يشتكي تذمرًا لاستجداء العطف، فالأول علينا الوقوف معه قدر المستطاع ليتجاوز محنته.