من السنن الكونية لله فى خلقه أنّ جعل الإنسان أعظم مخلوقاته فى الكون لكى يجعله خليفته فى الأرض يقول تعالى فى محكم التنزيل
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة" البقرة آية ٣٠
يكون الإنسان الذى اختاره الله
عزّ وجل بهذة المهمة العظيمة وميزه عن سائر مخلوقاته بأهم ميزتين هم أساس بناء وعماد الكون،الميزة الأولى هى نعمة الله تعالى على الإنسان وميزه بزينة ونعمة العقل، الميزه الأخرى قدرة الإنسان على التعبير، وعندما تتوافر هاتين الميزتين لابد من دعم هذة الميزات من إصدار القوانين والتشريعات عبر العصور حتى يظل الإنسان خليفة الله على الأرض لكى يمارس مهتمة الذى خلق من أجلها وهى عبادة الله وإعلاء كلمتة فى التعمير و التعبير.
لاجدال فى أن حرية التعبير عن الرأى هى تنظيم قانونى، حرصت عليه الدساتير الوطنيه والمواثيق الدولية بالنص عليها فى صلب تشريعاتها وإعلاناتها ومواثيقها الدولية، لأن هذا الموروث الإنسانى لحرية الرأى هى فطرة بشرية فطر الله الناس عليها من أجل إحترام الكرامة الإنسانية وحماية أمن وسلامة واستقرار المجتمع،لأن قيام المجتمع الإنسانى كأسرة منظمة فى شعب الدولة هو الضمانة الحقيقة لتحقيق أثمن مايملكة الإنسان وهو الإرادة الحرة وحقه فى التعبير عنها.
وقد نصت المادة ٦٥من الدستور المصرى الحالى لسنة ٢٠١٤ على أن (( أن حرية الفكر والرأى مكفولة،ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر...)واستحقاقا لهذا الحق الدستورى،نص المشرع المصرى فى قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى مصر رقم ١٨٠لسنة٢٠١٨ حيث نصت المادة رقم ٢من الفصل الأول من هذا القانون على أن ((تكفل الدولة حرية الصحافة والإعلام والطباعة والنشر الورقى والمسموع والمرئى والإلكترونى..)) وهذا ماذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا فى حكم لها تأكيدًا على حماية حرية التعبير عن الرأى وذلك بتاريخ ١٩٨٣/٦/١١م القضية رقم ٤٧ لسنة٣ق مجموعة الأحكام جزء٢ ص١٢٣،على أنه ((إن حرية الرأى والإختيار هما من الحريات والحقوق العامة التى تعد ركيزة لكل صرح ديمقراطى سليم وقد حرص الدستور على النص فى بابه الثالث على أن حرية الرأى مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون..))
يتضح من خلال النصوص القانونية وحكم أحكام المحكمة الدستورية العليا السابق ذكرهما أن المشرع يلزم الدولة أن تكفل حرية الصحافة والإعلام لما لهذة الحرية من دور عظيم فى رقى وتنمية المجتمع كإحدى الدعامات الأساسية للديمقراطية وهو ما يتطلب العمل على توفير جميع الضمانات والإمكانات التى تساعد على أداء الممارسات الصحفية والإعلامية بحرية تامة دون ضغوط أو قيود تشريعية أو سياسية تؤثر على حرية الصحافة والإعلام وهذا يؤدى إلى التفاهم بين السلطات العامة فى الدولة وأفراد المجتمع لأن الصحافة والإعلام الصادق هو المرآةالحقيقة للمجتمع،ويعطى أجهزة الدولة كلها صورة صادقة معبرة عن رغباته وما يتطلبة من احتياجاته من الخدمات،لأن الغايةمن ذلك هى قيام الدولة كجماعة منظمة تحرص على الاهتمام بحرية الصحافة والإعلام،لانهما الوسيلة الوحيدة التى يبقى للراى العام أن يكون مطلعا عليها من أخبار وأنباء ومعلومات تهمه لكى يمارس أعباء مسئولياته،لأن دون ذلك يصبح شعب الأمة فاقداً كل صله له بالعالم واهتماماته الكبرى وأصبحت الأمة تنساق للخضوع والانقياد والبعد عن تكوين الرأى العام وفقد روابط الإتصال بين المواطنيين والسلطات العامة فى الدولة لأن أهمية هذا الدور هو بناء وعماد ومجد وحضارة الدولة.
والنظر لمعنى النص الدستورى نجد أن المشرع أطلق العمومية فى حرية التعبير بأن جعلها لكل إنسان ولم يختص بها فئة من فئات المجتمع وحدهم ولا حتى فرق بين ماهو وطنى أو أجنبى ولكن يختص بها جميع الفئات والوطنى والأجنبى ومن هنا يكون لا وجه للرد على مايقال أن المشرع اختص فئة معينة من فئات المجتمع من الطبقات الرأسمالية دون الطبقات الأخرى من طوائف الشعب الأخرى أو للوطنى دون الأجنبى، لأن هذا معناه تخصيص عموم هذا النص دون مخصص وتقيدة دون مقيد وذلك يتعارض مع أصول التفسير، ومن ثم إذا كان المشرع الدستورى قد اختص فئة معينة من المواطنين فقط دون الأخرى لم يعجز فى التعبير عن ذلك أو يصعب أن يقرره صراحة وأن يستبدل بعبارة كل إنسان كل فئة معينة أو كل وطنى دون الأجنبى، وإن كنا لا ننكر أن فئة معينة من رجال الأعمال الذين يملكون الصحف والصحف الإلكترونية والقنوات الفضائية التلفزيونية لما لها التأثير على حريتها لأن الفقه الرأسمالي يسعى لتحقيق أكبر فائدة من الربح فقد يتخذ من ملكيتة للصحف والمواقع الإلكترونية الصحفية والقنوات الفضائية بقصد السيطرة على عقول الناس واللعب بعواطفهم،وتوجيه الرأى العام لتحقيق أهداف ومصالح شخصية خاصة،مما تتخذ من هذة الصحف والمواقع والقنوات أداة للتأثير على الأجهزة التنفيذية فى الدولة لتحقيق مآرب على حساب المصلحة العامة تنفيذاً لرغبات أصحاب رؤوس الأموال وتطويع المجتمع لخدمة أغراضهم،ونحن من جانبنا لاندعو إلى إبعاد الأشخاص الطبيعيين من ملكية وإصدار الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، لأن الدولة التى تحترم حرية الرأى والتعبير من خلال النصوص القانونية التى تحكم هذة الحرية لها من الوسائل التشريعية ما يمكن أن تتفادى بة هذة السلبيات إذا فرض حدوثها دون اتباع وسيلة من الوسائل الأخرى أشد قسوة على حرية الصحافة مثل القيود أو الحظر أو المصادرة وهذة الأثار وإن فرض حدوثها فهى غير موجودة من الأساس فى الدول الديمقراطية الكبرى لأن الدور العظيم التى تقوم بة الصحافة والإعلام فى هذة الدول هو الشفافية والوضوح ومعرفة القائمين عليها.
وإنا نأمل من رجال الصحافة والإعلام اتخاذ واجبات الحذر ومراعاة الالتزام بمواثيق الشرف الصحفى وأعمال الرقابة الذاتية قبل نشر الخبر وأن يتحرى الصدق فى مصدر معلوماتة،والوقوف بجانب الدولة والجيش والشرطة وعدم النقد فى خطط هذه الجهات حماية لظروف الدولة ومقاومة الإرهاب فيجب على الجميع أن يتفق على ذلك لأن هذا التوافق يتأتى من منطلق تاريخ طويل للصحفيين والإعلاميين فى الدفاع عن الديمقراطية،وحرية الرأى والرأى الأخر ومن منطلق الحفاظ على حرية الرأى وإبدائه دون خوف أو رهبة وإيماناً بحرية الصحافة والإعلام وتقديراً لوطنيتهم وحفاظهم على كيان الدولة،وهذا الوقوف يأتى من واقع ومنطلق مسئولية الصحفيين والإعلاميين التاريخية والوطنية،لتحقيق المواءمة بين مصلحة وأمن الوطن والمواطن فى هذه الفترة الفارقة من تاريخ مصر والذى يتربص بها المتربصون من كل جانب بكيان الدولة المصرية حفظ الله مصر وجيشها تحيا مصر