في هدأة الليل يوقظني الحَرفُ خلسة حتى لا يصحوا من في البيت معنا، الجميع نيام، هدوء اشتاقه كل مساء بعد يوم أمومة شاق لذيذ، يوقظني ليدعوني لقضاء سهرة لطيفة معه فأتسلل حافية حرة من كل ما قد يضيّق علي ويقيد حريتي حتى ولو كان خُفاً ناعماً.. أرتدي الروب ديشامبرالمهفهف المزين بجناحي طائر ليلي، ونمضي معاً بخطى سريعة دون تعب فلياقتنا الروحية عالية، وعلى ضوء شعلة حب صغيرة جاءت من عالم غيب أبدي، بدأ الحرف يرقص في سمائي بخطىً جميلة يميل تارة إلى الأمام وتارة إلى الخلف، يمنة ويسرة يترنح سكراناً من فرط الحب بأهدابه الناعسة وخفقات قلبه الحارة، وفجأة أخذ يتحول إلى شكل قدح جميل، سكب القمر عليه نبيذاً معتقاً منذ بدء الخليقة فأصبح حرفاً عارفاً بالحق والحقيقة واقترب من شفتاي فلم أقاوم نداءاته وشربته عن آخره وكأنه قدح أسرار مرصع بأحجار كريمة، شعرت بدوار عنيف هز كياني حرٌك خلاياي كلها والنفس حيرى، وبدأتُ أرى مالا يُرى بعيون النهار.
بدأ الحرف يطوّر نفسه وانقسم عنه حرفا آخر، ثم أخذ كل واحد منهما يتشابك مع الآخر بقوة القوى جميعا ومن عزم الحب ينجبا حرفا جديدا أخر بترددات مختلفة ومع كل حرف جديد كان هناك لونا جديدا، صوتاً فريدا يحتفل به الكون ومزيدا مزيدا من احتمالات جديدة في أقدار هذا الكون، امتلأت السماء بالألوان باقة كبيرة مهيبة من الحروف الأبجدية الساحرة تتراقص أمامي، مشهد خارق، حارق، وكمبدعة مشهورة تستوحي تصاميمها من جمال الطبيعة فصلتُ من تلك الحروف أجمل الكلمات، وكمؤلفة للألحان فاقت شهرة ألحانها لحن الصمت ألّفتُ مقطوعة موسيقية، خاصة بتلك الأبجدية، وصنعت أقداراً جميلة في عالمي ونسفت فائض احتمالات كثيرة ولعبت باللوح الأكبر وشعرت بأني ربة السحر وسيدة هذا الكون، وبعد ساعات أو ما قد ظننته ساعات في ذلك العالم ربما هو كان مجرد ثوان، عدت لجسدي وغفوت بداخله ولا أعلم من منا نادى الآخر فالربَّة لا تنام، ونهضت صباحاً مبتهجة ممتنة لما أتاحه لي الحرف الذي كوَّن كلمة اقرأ.