المثقفون، وليس دعاة الثقافة، هم مصابيح نور، على ضوء ثقافتهم يلتمس المجتمع طريقه نحو التحرر والعدالة والتطور، والثقافة ليست ثوبا يرتديه كل من هب ودب وليست بالقصور الفخمة والعربات الفارهة، بل بالفكر المثقف والسلوك القويم الذى يرشده عقل مُشبع بالعلوم والأداب والفنون.
والثقافة كما قلنا هى التمكن من العلوم والفنون والآداب، وعليه فالمثقف مُهيأ نفسيا وعقليا لبناء مجتمع صالح عادل متطور، لأنه مُـتنورٌ ومُـتحررٌ من قيود الجهل، ومُـتعافى من أمراضه كالتعصب والأنانية والعدوانية.
ولو لم يكن هكذا لما بحث وسهر وتعب شهورا يصقل بعقله وفكره يبحث عن الحقيقة هنا وهناك، يواجه الباطل فى معسكر الجهلاء، ليحترق كالشمعة، يضىء بعلمه وثقافته طريق المجتمع.
لقد عانى المثقفون عبر التاريخ من شرور الجهلاء والحكام الطغاة الرجعيين المُتعششين فى دهاليز الجهل والتخلف، وأول أولئك المثقفين هم الأنبياء والأولياء والثوار الأحرار، الذين قاوموا الظلم والظلام بعلمهم ومعرفتهم بقوانين الطبيعة والمجتمع والتطور.
وقد أثبتت الأيام أن من يفهم التاريخ هو المنتصر، ومن يقف ضد منطق الحياة ينتهى إلى مزبلة التاريخ، ولا يمكن للإنسان أن يقف ضد الأشرار والسلاطين الطغاة، ويناصر الشعب ويتبنى قضاياه العادلة، ويطالب بحقوق الإنسان حيثما كان، إلا إذا بلغ به الوعى إلى مستوى يجعله لا يتحمل الظلم ليس على نفسه فحسب بل حتى على الآخرين أيضا، فيطلق صرخته بوجه الظلم لينتبه إليه المغفلون، ويلقى بأفكاره النيرة ليهدى من أضله الظلام فيتبعه المجتمع ويحاربه الطاغوت وأعوانه.
وقد يدفع ثمن هذا الواجب الإنسانى حياته، وعلى هذا الطريق سار الأنبياء والمصلحون والفلاسفة والعلماء والثوار الأحرار، وحملوا على عاتقهم مسئولية التطور وإنقاذ الإنسان من شرور التخلف.