لم يعد بالدنيا أمان.. عبارة نسمعها كثيرا فى الوقت الحاضر، وربما لا يختلف على صحتها اثنان؛ فالزمن اليوم مختلف تمامًا عما كان عليه من قبل، ليس لاختلاف تكوينه ولكن لاختلاف طبيعة البشر، وضعف إيمانهم، وتغير طباعهم، وقلة تمسكهم بالأخلاق الحميدة والعادات والتقاليد فى بعض الأحيان. ما نسمعه ونشاهده اليوم من جرائم مختلفة، اغتصاب، وتحرش، وسرقة، وشروع فى قتل، بل وقتل الأنفس بغير حق، تجعلنا نحِنّ إلى زمن ماض ربما لم يعشه الكثير منا، أو عاشه فى طفولته فأصبحت كل الصلة بيننا وبينه هى ذكريات الآباء والأجداد والتى يتحفوننا بها حين الحديث عن تلك الأيام التى كانت البساطة هى السمة الرئيسية فيها وبطل كل الحكايات، أيام كانت الأبواب لا تعرف الأقفال، ومعها كانت القلوب لا تعترف بكره وحقد وحسد وضغينة.
حين كان الأطفال لا يخشون من التعرض للخطف ولا تلوث براءتهم لحظة غفلة من أهاليهم، وحين كان الأهل لا يفزعون من طلب أبنائهم بالخروج من البيت ليلعبوا أمام المنزل أو يذهبوا لشراء الحلوى من البقال، خوفاً من ذئاب البشر. أحن ويحن معى الجميع إلى زمن كانت الصبايا لاتجد حرجاً فى اللعب مع أولاد الجيران، ولم تكن المرأة تتردد أو تحسب لسلامها على الجار ألف حساب حين يلتقيان مصادفة وهما خارجان من بيتيهما، حين كانت الصبايا تجد فى أبن الجيران سندا حين يعترضها عارض فى وقت يكون أخوانها غائبين عن البيت.
ومع هذا الخليط العجيب فى مكونات المجتمع، وكل هذا الهجين من العادات والتقاليد والخلفيات الثقافية، التى نتجت بفعل سياسة الانفتاح فى كافة المجالات، إضافة إلى الرقابة الضعيفة للأسر والتى خلفت عددا كبيرا من البلطجية الذين لا يخشون عقاباً ولا يهتمون لقانون ، كل هذه المعطيات نتجت عنها بيئة مختلفة اختلافا تاما عما اعتاد عليها الشعب المصرى ، ناهيك عن العدد الكبير من الفسده والمفسدين الذين لم يتشربوا العادات والتقاليد وألقوا بها عرض الحائط ولم يعتادوا فى بعض الأحيان على العيش فى دولة القانون والمؤسسات أو حتى فى المجتمعات المحافظة، وهو ما خلّف الكثير من الجرائم التى لم نعتاد عليها كالتحرش والاغتصاب والقضايا الأخلاقية والقتل والاعتداء التى شهدتها مدن وقرى مصر من دون استثناء.
كل تلك الأسباب هى التى خلفت هذا التبدل فى الزمن، والحنين للعودة إلى زمن أكثر أمنا وأمانا، هذا إن أغفلنا دور تقليد الغرب الأعمى والتكنولوجيا التى أدخلت الكثير من العادات والصرعات الشاذة فى كل الدول التى تعانى من العولمة وتراها مصدر من مصادر الأزعاج، ومع ذلك لم تشهد هذا الكم من التغير فى عاداتها ولم تشهد ما نعانيه من جرائم دخيلة علينا.ولكى يعود إلينا الأمن والأمان والأستقرار المرجو، ولكى لا نشعر بكل هذا الحزن والغبن على حالنا، بات من الضرورى أن نجد على أرض الواقع تشريعات وقوانين تفعل لتلزم الجميع على أحترام القانون، وتحد من الظواهر الشاذه على مجتمعاتنا ، إضافةً إلى ضرورة عودة المدارس لعهدها السابق تربى وتعلم فى نفس الوقت وألا فلن نجنى من وراء ذلك إلا التعب والخسارة وسيكون أولادنا هم الضحايا.