قال سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم: "يدخل الجنةَ أقوامٌ أفئدتهم مثل أفئدة الطير". ويقول العارفين للجنة أبواب، فلربما دخلها الإنسان من باب الصيام، ولربما من باب الصدقة، ولربما دخلها بشر يتميزوا بأن أفئدتهم مثل أفئدة الطير. والفؤاد هو القلب على الأشهر من كلام أهل العلم، وإنما قيل له الفؤاد لكثرة تفؤُّده، أي: توقده بالمعاني والخواطر والأفكار، فهو لا يتوقف، ويقال له القلب لأنه كثير التقلب، أشد تقلباً من القِدر إذا استجمعت غلياناً. ومن أهل العلم من يقول: إن الفؤاد هو جزء في داخل القلب، هو الذي يحصل به الإيمان، والمعرفة، والعلم والإدراك، وما أشبه ذلك.
وقول نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم: أفئدتهم مثل أفئدة الطير، وفقا للإمام النووي-رحمه الله-أن المقصود به أنهم يتوكلون على الله حق التوكل، على نحو حديث آخر قال فيه:" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً"، بمعنى أن هذه الطيور لا قدرة لها على الاكتساب، ليست كالبشر عندها عقول، وعندها أفهام بحيث تذهب وتتكسب، وإنما هي تخرج من أوكارها في الغداة، فيرزقها الله وترجع في آخر النهار، تغدو خماصا أي ليس في بطنها شيء، جائعة، ثم تعود بطاناً أي شبعى. فهذا كله من رزق الله، وفضله، فالناس لو يتوكلون على الله حق التوكل لكانوا بهذه المنزلة، يُرزقون كما يرزق الطير، ولكن الإنسان يركن إلى معرفته، وحذقه، ومهارته، ووظيفته، وإلى دكانه، او مكره، وما أشبه ذلك، فيكون ذلك من النقص في التوكل، ولكن لو أنه بذل السبب مع الركون إلى الله-تبارك وتعالى-بالكلية والاعتماد عليه، وأن الأرزاق بيده لرزقه كما يرزق الطير.
والمعنى الثاني الذي يحتمله الحديث: هو أن هؤلاء أصحاب قلوب رقيقة، فالطير يضرب للقلب الرقيق، فلان قلبه كقلب الطائر، يعني: أن قلبه رقيق لا قساوة فيه، ولا صلابة. وهذا ما نظنه ان الرقة هي باب من أبواب الجنة، بل ونعتقد ان المقصود أيضا أن من أبواب الجنة القلوب الشجاعة كقلوب الطير التي تواجه الصعاب بشجاعة وقلب متوكل على الله بالرغم من الضعف والهوان الذي يتسم بها حالها.
حياة الطيور خاصة اكثرها انتشارا وهم العصافير حياة صعبة جدا، وبالرغم من ذلك تغرد كل يوم، وتملء الدنيا صياحا وفرحة. العصفور الصغير ما إن يتعلم الطيران يتوجب عليه الاستقلال ومغادرة عشه. عندما يحط او يكون بعشه تتربص به الافاعي والفئران. وعندما يطير العصفور تتبعه الصقور والحدأة وغيرها من المؤذيين بما في ذلك بني البشر، فهذا يجرحه وآخر ينتف ريشه وثالث يؤذيه بالنبلة. ومع تجاربه اليومية المأساوية لا ييأس ولا يقنط من رحمة الله ويواصل حياته كل صباح بشجاعة قلب كبير.فطوبى لك الجنة ياعصفور!