ظل المواطن المصرى لثلاثة عقود مضت يتعلم ويتفنن فى طرق لها ما لها من فنون المكر والدهاء من صور الفساد عامة بشتى طرقه وصوره و أنواعه وأساليبه، مما زرعه بداخلنا النظام السابق البائد القديم، وليس بالعجيب أن تمتد تلك الثقافة (الفساد) إلى الفلاح القروى المصرى أحد نسيج ومكونات المجتمع المصرى الذى أضحى داهية فى سياسة المكر والخداع، تفننا فى وسائل فساد مجتمع كامل يتكلف إصلاحه مستويات عالية من الجهد والعناء.. ثلاثون عاما مضت علمنا فيها النظام السابق أن نتفنن فى جميع صور وأساليب الفساد، امتدت إحدى صوره البسيطة جدا إلى غالبية الشعب الكادح والتى كانت من مسببات قيام الثورة ضد النظام السابق، وهى حصول المواطن المصرى الكادح الفقير على أهم أساسيات الحياة، وهى رغيف الخبز.
قد تبدو الصورة بسيطة ولكن لنتذكر معا صور الاقتتال الدامى بين المواطنين للحصول على أرغفة الخبز اليومى للمواطن البسيط التى مات بها من مات من نزاعات واقتتال، وأخرها الذى أشعل النار بنفسه وأحرق جسده لأنه لم يتمكن من توفير (تأمين) الخبز اليومى لأبنائه وأسرته، وهذه الصورة بذاكرة الجميع منا التى كانت قبيل الثورة، ويشاء الله أن يمن على الشعب الكادح بثورة قام بها شبابه أبطالا يضرب بهم المثل فى البذل والعطاء وتغير النظام وتغير آخر للنظام، وجاء العهد الجديد وأول حلوله كانت لتلك المأساة للمواطن المطحون وهى ميكنة رغيف الخبز للمواطن بما يسمى البطاقة الذكية، ولكن ظل بداخلنا الزرع الأسود من الفساد الذى زرعه ونماه ورعاه النظام السابق، وأبسط صورة بالريف المصرى والمجتمع القروى الذى أعيش فيه هو أن الفلاح القروى يتفنن فى لملمة كل البطاقات الذكية التى تنتسب إليه وإلى من يمتد له بصلة والحصول على الخبز سواء كان بلدى أو نصف آلى أو آلى كان أو غيره بكميات كبيرة المسموح بصرفها ككمية تكفى لثلاثة أيام قد يفوق الخمس مائة رغيف، وتعجبت وسألت أحدهم ماذا تفعلون بتلك الكمية الضخمة من الخبز الذى سهله لنا النظام الجديد، وكانت المفاجأة، ولكنها كانت صدمة وطامة كبرى أعلمنى أن كل الكمية الضخمة تلك يضعها علفا سائغا للمواشى والبهائم التى لديه !!!!!
ولم أتعجب لأنها إحدى وسائل الفساد التى زرعها بداخلنا النظام القديم لثلاثين عاما أتتغير فى عام أو غيره (باللهجة القروية.. فى يوم وليلة)، ولكنها أعوام ليضرب لنا الفلاح القروى مثلا أنه الأكثر ذكاء من بطاقات تسمى بالذكية (أين ذكاء تلك البطاقات؟).