رأيت أمى تنادينا بصوت مرتعش: "يا بنات.. يا بنات.. سامعين صوت الرعد والبرق؟".
ننصت!
ونبدأ بالفعل في سماع هذا الصوت؛ نرتدي ملابس فضفاضة، ونصعد سريعًا إلي سطح المبنى، ومعنا أمي.
تقول لنا: "إيه ده! شكل السما غريب، الدنيا هاتمطر".
تعتلي وجهنا ابتسامة واسعة أنا وأختي.
"كده هنشوف قوس قزح أكيد يا إسراء"
تبدأ الأمطار في الهطول بشدة؛ أسمع أصوات غلق النوافذ وأبواب البلكونات، وصريخ الأمهات في بناتهن لحثهن على انتشال الغسيل بسرعة حتى لا يزداد بلله، ويتلوث بماء المطر.
أرقص مع إسراء تحت المطر، متشابكة يدانا وذراعانا، ونغني: "بص.. شوف.. السما بتعمل إيه!"
لا تكترث أمي لما يحدث، ربما لأنها تفكر في شكل الطرق في اليوم التالي.
وبعد الرقص، تقل نسبة المطر؛ نستلقي على الأرض لالتقاط أنفاسنا.
يكسر شرودنا توقف المطر، وظهور قوس قزح شيئًا بشيء، حتى تسطع ألوانه الجميلة.
نفتح أعيننا على مصراعيها، ونحن لا نصدق ما نراه؛ نبدأ بالتهليل والتصفيق، وندعو كل البنايات المجاورة للخروج، للاستمتاع بهذا المشهد.
نلتفت لنشاهد رد فعل أمي، فنسمع صوت خطواتها في طريقها إلى الشقة، وهي تتمتم.
ننظر حولنا، فنجد الجميع قد أغلق النوافذ عدى نافذتين ينظر منهما كل واحد على حدى على استحياء.
أتذكر أن أحمد جارنا عنفه والده، وطرده إلى الخارج بسبب شكوى الجيران، لتلطيخه الدرج بحذائه المملوء بالطين، كما أن الرجال لا يرقصون. وأذكر أن سارة جارتنا عندما خرج والداها، وانتهزت الفرصة للرقص تحت المطر، وابتلت ملابسها، تعرضت للضرب من جارنا المتدين لأن الملابس التصقت بجسدها، كما أنه لا يحق للبنات أن ترقص.
فنساء الحي تربين على بغض المطر، وتوارث أغلب أبنائهن هذه المشاعر، حتى أصبحت رؤية قوس قزح درب من دروب الخيال. ومن يفصح عن رؤيته؛ يتهمه الآخرون بالجنون.