يقولون "وبضدها تتميز الأشياء"، والموت حولنا في كل مكان. فأين الحياة؟! لم يعد يمر يوم في حياتنا حتى نجد الموت يطاردنا في كل مكان، مرة وباء، وأخرى قضاء. تارة انفجار، وغيرها إهمال.
أيامنا أصبحت بلا أغاني! والاغاني هي صلوات الشعوب. الصلاة دعاء الفرد لربه، والغناء نداء الجماعات، ولهذا عندما نفقد الأمل او تشغلها الأحزان، تتوقف الصلوات، ونتوقف عن الغناء.
نعم بإرادتنا وحدنا وخبرات الشعوب سنعود لنصلي فرادى، ونغني في جماعات. والإرادة ليست بالكلمات فيراها المثل الفرنسي:«الإرادة هي القدرة»، في حين يراها المثل الإنجليزي في العمل «الإرادة هي الفعل»وهي في تعاليمنا «العزيمة»:«إذا عزمت فتوكل على الله» وفي قوله(عليه الصلاة والسلام)«اعقلها وتوكل».وسواء كانت الإرادة هي القدرة أو الفعل أو العزيمة المُلازم لها التدبير والنية الخالصة لله فإنها نقطة البداية في كل الحالات؛ فكل أحداث حياتنا يمكن النظر إليها كفرصة أو تهديد، والأذكياء فقط هم القادرون على تحويل الحدث من ظاهره كتهديد إلى فرصة، بل وفرص متعددة. وكم من حدث ظاهره العذاب وباطنه الرحمة.
نعم امتلأ عالمنا بكل آثار التخلف الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والسياسي، والأخلاقي، والفساد بكل أنواعه هو أعلى درجات التخلف الديني والأخلاقي لأنه يعني إضاعة حقوق الناس والتعدي على مستحقاتهم وفقدانهم آمالهم في مستقبل أفضل عن طريق عملهم وعلمهم. أما المعاملات الفاسدة فهي منتهى الظلم الذي لا يرضاه أيّ دين. وعلينا أن نساعد أنفسنا لتغيير ذلك وهو ليس بالأمر المستحيل. فالتقدم لا لون له ولا دين، ولكنه عمل وعزيمة الشعوب.
ويؤكد التاريخ أن تضافر الجهود الفردية هو سبيل رُقي الشعوب، فالفرد مهما بلغ من نية خالصة وعمل متواصل وتفكير منطقي لا يمكنه أن يحقق تقدم شعب مستكين لا يبالي بما هو فيه، فكم من زعماء مخلصين لديهم العزم والبصيرة مضوا دون أن يحققوا التقدم المطلوب، وعلى العكس كم من زعماء تمكنوا من تخريب دولهم والمساهمة في زيادة عجزها وشَللها في فترة قصيرة. وبالتالي فدور المبادرات الفردية أساسي -لكنه غير كافٍ- وهذا الدور يلقي بعبء كبير على العلماء والمثقفين، ويقرر دور حيوي لنخبة الشعوب في إثارة المياه الراكدة بطرح الأفكار الجديدة أو تسليط الضوء على النافع من القديم منها وفقًا لخبرات وتجارب البلاد.
والمراجعات ضرورية لكل مناسك حياتنا، ولكن يلزمها لتجني ثمارها إنهاء حالة اللامبالاة بالمصير وبالمستقبل التي تسود شعوبنا. وخلق اهتمام بما يجري على ساحة يراها البعض بعيدة عنا وهذا خطأ«من لم يهتم بأمر أمته فليس منهم». ولمعالجة ما نالنا من سلبية؛ يجب أن نستشعر «وحدة» المصير و«وحدة» المعاناة حتى يحدث التغيير، وأن نتخلى عن منطق «الراكب المجاني» الذي ينال كل المنافع دون أن يغرم شيئًا.
وعندئذ فقط ستعود الصلوات والأغاني صادحة، ونعود للحياة!