تربية الأبناء وتوفير مستقبل لهم هى الشغل الشاغل لكل أب. نجد منهم من يتغرب عن موطنه عشرات السنين من أجل توفير مسكن لهم أو يدخر داخل بلده. ويحرم نفسه كثيرا من أجل مسكن يأوى أولاده ويجهز شقة لكل ولد منهم كى يتزوج فيها. ومنهم من يجتهد فى بناء أولاده علميا وأدبيا دون للاهتمام ببناء مسكن ويسكن بالإيجار ويتحمل عذاب الإيجار الشهرى. أى من الناس من يسعى لبناء الحجر كى يأوى أولاده. ومنهم من يهتم ببناء البشر أى أولاده. يا ترى من يفلح من يهتم ببناء الحجر. أم من يهتم ببناء البشر.
فى مدينتنا السرو حدث رهاب بين أبين كل منهما له طالبان فى مدرسة الأب، الأول يسكن بالإيجار ولم يسع من أجل شراء منزل يؤويه وأطفاله ويرحمه من هم التنقل من مكان إلى مكان، بل جعل همه الأكبر تربية الأبناء ليكونوا أطباء ومهندسين. أما الأب الثانى ركز على بناء بيت يسكن فيه ويرحمه من تساقط المطر عليه فى الشتاء واستحمل العيش هو وأطفاله فى حجرة متواضعة وحمام غير صحى.
ومنذ عشرين عاما حدث حوار بين الأبين أثناء اجتماع مجلس أباء، قال الأول أنا إن شاء الله أخطط لكى يكون أولادى أطباء ومهندسين، وقال الثانى سأبحث لهم عن منزل ومع ذلك لن أترك أولادى، سأبذل كل جهدى من أجل احتلال مراكز مرموقة. مرت الأيام. والأب الأول صار موضعا للشفقة من أجل تربية الأبناء، وبالفعل مع ضيق العيش وصل الأبناء إلى كليات الطب وتهافت عليهم الأثرياء من أجل الزواج والفوز لبناتهم بأحدهما، وما زالوا لا يملكون مسكنا لكن كل ابن صار طبيبا وله عيادته ومحترما فى بلده والمال تدفق بأيديهم. أما الرجل الآخر خسر الرهان رغم أن أولاده أزكى عقليا، لكن ظروف المعيشة فى المنزل أثرت ولم يحصل أى من أولاده على كلية مرموقة وذاقوا مرارة البحث عن عمل شاق.
إذن تربية البشر أحسن من تربية الحجر وأفضل، لكنها قد تؤتى ثمارها بعد وقت طويل، لكنها أفضل من بناء الحجر وترك بناء البشر وتوفير كافة الأمور التى تهيئ تربية البشر السليمة. رغم أن الأب الثانى وفر شقة وساهم فى أن تزويج الأبناء لكن النتيجة العامة امتياز لمن يربى البشر ومقبول لمن ركز على بناء الحجر، إذن يا سادة واجب علينا الاهتمام الكبير ببناء أطفالنا فكريا وجسديا وأخلاقيا وعلميا دون أن نضع جل اهتمامنا بناء المسكن والحجر فقط .