-لماذا وقع عليه اختياركِ دون غيره من معشر الرجال؟
- لأنه دائماً يضعني بالقدر الذي أستحقه، لطالما كنتُ محل تقدير من جانبه، يعرف مكانتي جيداً...تلك المكانة التي لا تتعلق بجاه أو مال، إنما أقصد المكانة الأهم: مكانتي بقلبه.
لطالما كان يبادل آرائي بالاحترام وحتى وإن لم تنل موافقته، ويتبني رأي مخالف لها. كنتُ أستمد منه التأييد لحديثي حينما أود أن أشارك به في تجمعات الأهل والأصدقاء، بينما يضمر في نفسه أوجه الاختلاف إلى أن ينفض الزحام من حولنا، ولا يبقى بالمكان سوانا، حينها يشرع في عرض وجهة نظره التي أتمكن من خلالها أن استنبط الخلل الذي اعترى كلامي، والعوار الذي أصيب عباراتي. وبالمناسبة لم أقلق يوماً بشأن اختلافاتنا، لأنها ولا مرة تحولت إلى خلاف، بل بالعكس كنتٌ في كل مرة أتجاوز معه نقاط تسرعي وتهوري بالحوار، أتفادها ولا أعود إليها مجدداً، يكفي أنه لا يشير إليها صراحة، إنما يترك لي وحدي أمر اكتشافها، فقد كنتٌ كل مرة أقف عندها لا أشعر بالخجل، لأنه كان لا يتطرق إليها بحديثه، إنما كان بكتفي بتغيير مجرى الحديث بمجرد أن ينطبع على وجهي ملامح أدركها وأستوعبها.
يكفيني منه أنه لم يضعني يوماً موضع الانتقاد، ولم يتعمد قط أن يشعل بداخلي مشاعر التأنيب، ولم يتقمص أبدا دور المعلم الذي يحاسبني على حماقاتي، ولم يكن مقصده يوماً من التعرف على طباعي وأفعالي الغرض منها اللوم والعتاب، ولكن كانت من منطلق الخوف والاحتواء.