في شتاء عام 1979 اندلعت الثورة الإيرانية وغادر الشاه إيران مطرودا بلا عودة وعاد الخميني الى إيران محمولا على الأعناق وبدا أن الأمر لن يكون بسيطا، بل إن هناك تغيرا جذريا يوشك أن يحدث في إيران ولن يلبث هذا التغيير أن يؤثر على المنطقة كلها، واستقبلت دول المنطقة خبر الثورة بفرح يشوبه الكثير من الحذر، خاصة الدول العربية، فقد كان الشاه معروفا بعنصريته وبكرهه للعرب، وكانت المعارضة الإيرانية وقت الشاه تعيش في بعض الدول العربية كالعراق مثلا والذي - لسخرية الأقدار - كان الحاضنة الرئيسية لقادة الشيعة الايرانيين – وعلى رأسهم الخميني – لفترة طويلة قبل انتقاله إلى فرنسا، ليأتي بعد ذلك على رأس الثورة التي حاربت العراق فيما بعد، في أحد أطول حروب المنطقة، وبعيدا عن التفاصيل سرعان ما تبددت الفرحة العربية بالثورة الاسلامية في إيران عندما أعلن الخميني أهدافه الحقيقية، والتي تمثلت أولا في مبدأ تصدير الثورة الى باقي دول المنطقة، ولم تنطلي حجة (الثورة الاسلامية) على العرب ولا المسلمين خاصة عندما أعلن الخميني عن مبدأه الثاني وهو ان الدين الرسمي لهذه الثورة هو المذهب الاثني عشري، وهو أكثر المذاهب الشيعية تطرفا وهو ما يتعارض تماما مع المحيط السني الذي يقع حول إيران.
بعيدا عن الكثير من التفاصيل، دعونا نتطرق لموقف تنظيم الإخوان من الثورة الإسلامية، ومع ان أهداف الثورة اصبحت واضحة للعيان، وبات أن هناك خطرا قريبا من موجات المد الشيعي – ذات طابع ثوري عسكري – الا ان الاخوان قد أيدوا هذه الثورة الى ابعد الحدود! نعم لقد أيدوها الى درجة انهم يرسلون وفودهم الرسمية لتلتقي بالخميني وتعلن تأييدها المطلق له! ليس هذا فقط، بل أنهم (طلبوا من الخميني أن يعلن نفسه خليفة للمسلمين)! ووعدوه انهم - اي جماعة الإخوان – سوف تتولى أخذ البيعة له في عموم بلاد المسلمين!! المضحك المبكي في هذا الأمر أن الخميني نفسه هو الذي رفض هذه الفكرة!! وانا حقا لا استطيع ان امنع نفسي من أن أتخيل كيف كان الأمر يبدوا ان كان الخميني قد وافق على عرض الإخوان ثم أصبح خليفة للمسلمين، وكيف أننا كنا سنسمع "حي على خير العمل" في أذان الحرم المكي، وكيف كان خطباء المساجد سوف يختمون خطبة الجمعة بلعن ابو بكر وعمر وعائشة في ربوع العالم الإسلامي، الى غير ذلك من الشذوذ الفكري الإثنا عشري، وأني أحمد الله أن الإخوان لم يوفقوا في مسعاهم آنذاك، ولكن كان لا بد من مساءلة التنظيم عن هذا القرار الأحمق، وكان لا بد (لأتباع) هذا التنظيم أن يسألوا قادتهم عن سبب هذا الشذوذ الفكري، ولكن سرعان ما وضع قادة الاخوان هذه المسألة في خانة الظل، وغلفوها بتلك السرية المقيتة ومنعوا اعضائهم ان يخرج هذا الموضوع الى العلن مرة أخرى.
إن دوافع تأييد الاخوان للثورة الايرانية بهذه الطريقة الغريبة – في رأيي – لا يخرج عن سببين أحلاهما مر، السبب الاول والاخطر هو ان التنظيم يتبع طريقة الغاية تبرر الوسيلة، وهو لا يجد مشكلة في تحالف مع ايدلوجية مختلفة – بل معادية ومتطرفة – لايدلوجية العربية الإسلامية، اي انه طمع في تأييد الخميني وثورته في دعم التنظيم حتى وان كان ذلك على حساب الاسلام نفسه، وهذا الامر إن صح فإنه يضع هذا التنظيم في موقف العداء ضد الاسلام والمسلمين، ومعنى هذا أن قادة هذا التنظيم يرتدون عباءة الدين لا لشىء إلا لهدمه، ولا يمتلك الاخوان اي مبرر لما فعلوه الا ورقة "التقارب الشيعي السني" الهزيلة التي اثبتت فشلها لاحقا كما سأذكر، والسبب الاخر والاقل خطرا هو ان قيادات الاخوان اصغر من ان تقرأ المشهد السياسي الصحيح، فهي دائما ما تراهن على الجواد الخاسر، وهذا الامر يمثل قصورا سياسيا وفكريا دائما ما يتسبب في حدوث الكوارث والمشاكل السياسية، وينتج عنه ردة فعل سلبية – منطقية - غالبا ما يتخللها اراقة للدماء (للاتباع والضحايا الأبراياء).
باختصار أقول، دائما ما تكون قيادة التنظيم في ايدي فئة تفتقر الى البصيرة السياسية والخبرة القيادية والنية الصادقة فينتج عن ذلك اتخاذ قرارات خاطئة وغير مدروسة تتسب في ضرر بالغ لمن ينفذها (أعضاء التنظيم) ولمن تقع علية (عامة الناس) ولحكومات الدول التي تكون مجالا لتنفيذ تلك القرارات الخاطئة، فيما تظل النخبة القيادية في معزل من الاحداث والمسائلة الى ان يفتضح امر احدهم فيسجن ثم لا تلبث القيادة باختيار شخصية اخرى تمتع بنفس القدر من انعدام البصيرة لتسير على نفس المنهج والاسلوب السابق، وهكذا دواليك.
أما فيما يختص بالتقريب السني الشيعي، فقد مارست القيادة الإخوانية نفس الطريقة المريرة، فقد أقنعت بعض شيوخ إيران – من السنة - بالعمل لصالحهم في إيران وأسست لهم مكتب في الاردن وسمته "فتح إيران" (ألم يكن فتح القدس التي تبعد بضع كيلومترات من الاردن اهم؟!)، وكانت النتيجة هي مقتل هؤلاء الشيوخ في إيران على أيدي الخميني وثورته كما حدث مع الشيخ ناصر سبحاني والشيخ أحمد مفتي زادة، مجرد أن فكرة غبية ليس لها مكان في المنطق راودت القيادة الإخوانية فتقرر تنفيذها بدون أي دراسة حقيقية وبدون توفير أي حماية لؤلائك الذين سينفذونها ثم يدفع الاتباع والاخرون الثمن، وتبقى هذه القيادات الحمقاء بدون مساءلة، وتنطوي القصة في الظل كغيرها من القصص والمآسي.
في السطور القادمة، سنكشف جانبا مخفيا عن أحد الكوارث التي تسبب بها صناع القرار في تنظيم الإخوان فيثمانينيات القرن الماضي وبلغت حصيلة القتلى فيه عشرات الآلاف، في إحدىالدول العربية.