أكثر الأشياء التى تُضحكنى من داخلي، هؤلاء الأشخاص الذين يفترضون فيمن أمامهم أنهم يعلمون بمشاعرهم حيالهم تلقائيًا وافتراضيًا، فلا يُكلفون أنفسهم عناء البوح بمشاعرهم وأحاسيسهم من وقت لآخر، فهم على يقين من أن مَنْ أمامهم يعلم بتلك المشاعر، ولا يحتاج لتجديدها من آن لآخر.
والواقع أن هؤلاء موهومون، فالإنسان وخاصة المُحب، دائمًا فى حالة احتياج للاستماع لكلمات الحُب، وتبرير السلوكيات، وتفسير المشاعر، فهذا الأمر يُنعش مشاعره، ويُجدد خلايا الإحساس، ويخلق حالة من الانتعاش النفسى والداخلي.
فكثيرًا ما أسمع فى الأعمال الدرامية زوجة تتحدث عن زوجها، وتقول أنه لم يقل لى كلمة (بحبك) على الإطلاق؛ لأنه يعلم أننى أعرف مقدار حُبه لي، فهو ليس بحاجة لأن يقولها، والحقيقة أنا لا أتمتع بتلك المشاعر، فالاعتراف بالمشاعر، ومُحاولة تجديدها باستمرار، هى التى تجعل للحياة مذاق خاص، يُساعد الإنسان على استكمال مسيرته بصبر رغم مشقات الحياة، فالكلمة الطيبة صدقة، ومن يبخل بها، لا يُمكن أن يُؤل سلوكه بأن يكتفى بتصرفاته، وأن العبرة بالفعل وليست بالقول، فهذا الكلام منقوص، فالفعل والقول كلاهما يُكمل الآخر، وإلا ما كان المولى عز وجل خلق اللسان والكلام.
فنحن فى حاجة لأن نُعبر عما بداخلنا، وفى حاجة لأن نستمع لما يُغذى نُفوسنا وأرواحنا، فكلمات المشاعر لم تُخْلَقْ من أجل الاعتراف بها فقط، أو تقريرها، ولكنها وُجدت لكى تخلق حالة من السعادة والأمل، وتُحيى الخيال، وتقتل الملل والروتين، فهى لها دور كبير فى إنعاش الذاكرة، وتقوية جهاز المناعة، وشرح الصدور؛ لأنها تنعكس على الحالة النفسية للإنسان، وبالتبعية، سيكون لها صدى على الحالة الصحية له، طالما أن معنوياته ستكون مُرتفعة.
وعلينا أن تنذكر أن الإنسان عندما تُطرب آذانه بحُلو الكلام، يكون أكثر رقة وحنان، وقُدرة على العطاء، ورغبة فى التسامح، فكل شيء يُمكن أن يقبل بنظرية الافتراض، إلا المشاعر، فهى تحتاج إلى تحديث مُستمر؛ حتى تعيش وتستمر.