فنان لن يجود الزمان بمثله، فنان من طرازٍ خاص، فنان ذو قُدراتٍ لا يمكن وصفها، فنان راقٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رصيده الفنى الشاهد الأول والوحيد على عبقريته الفنية، وموهبته الفذة، وثقافته اللا محدودة، إنه العظيم ممدوح عبد العليم الذى رحل عن عالمنا منذ ساعاتٍ قليلة.
ملامحه رغم أنها ليست مصرية خالصة، فهو ذو ملامحٍ غربية فقد اتَّسمَ ببياض الوجه، وبلون عينيه الزرقاوين، إلا أنَّ مصريته اتضحت فيما قدمه من أدوارٍ خاصة التى جاءت من جنوب مصر، فدوره فى الضوء الشارد (رفيع بك) كان علامة مميزة فى مشواره الفنى، وفى المصراوية، جعلنا نصدق تمامًا أنَّه "عمدة" إحدى القرى فى الفلاحين، وحدث ذلك أيضًا فى رائعة بهاء طاهر "خالتى صفية والدير".
وفى الحب وأشياء أخرى، جسد دور الشاب المطحون الذى وقفت المادة عائقًا بينه وبين الفتاة التى يرغب فى الزواج منها، فتتزوج من شاب ثرى، وهى قصة شباب كثيرين يعانون من ظروف الحياة، التى تقف دائمًا بينهم وبين طموحاتهم.
وفى بطل من ورق، قدم كوميديا من طراز رفيع – بغيرِ إسفاف – فجاء العمل منظومة توافرت لها فرص النجاح بفضل "رامى قشوع" المؤلف الماهر، الذى يأخذ منه سمير نصه الدرامى، وقام بتحويله لحقيقة صادمة، قتل معها أكثر من شخص، وحاول الحصول على مبلغ مالى كبير، لكى يهرب به إلى الخارج.
وعن خماسية ليالى الحلمية "على" حدث ولا حرج، مؤلف بارع "أسامة أنور عكاشة، ومخرج قدير، إسماعيل عبد الحافظ"، وممثلين رائعين وقف ممدوح عبد العليم بجانبهم قامة شامخة، أشاد بأدائه القوى العديد من النقاد، وانتظرالجمهور إطلالته اليومية.
نحن أمام حالة فنية نادرة، سنظل نتذكرها لسنواتٍ طويلة، فممدوح عبد العليم واحدًا من كبار الفنانين الذين يعرفون جيدًا، كيفية استخدام أدواتهم، ويُتقن كل ما يقوم به من أدوارٍ بشغفٍ غير عادى، فنوعية أعماله يمكن تصنيفها على أنها أعمال "عائلية"، يستطيع كل فرد من أفراد العائلة مشاهدتها دون رقابة، وهو بذلك يُعد فنان "محترم" امتهن الفن، لأنه يعلم رسالته، فكان حريصًا على إيصالها لكل بيتٍ فى مصر والوطن العربى، وكان له ما أراد.
رحم الله الفنان الجميل ممدوح عبد العليم، وجعل كل ما قام به من أعمال جادة هادفة فى ميزان حسناته، لقد رحلت عنَّا بجسدك فقط، لكن أعمالك ستبقى بيننا خالدة، رحلت أيها الضوء الشارد، وتركت جُرحا لن يندمل بغيابك المفاجئ عنّا، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.