دائمًا اتركْ مساحة في الحياة بينك وبين الآخرين، تلك المساحة ليست من أجل حماية الخُصوصية، أو وضع إطار مُقنن للعلاقات، وإنما هي مساحة من الرقة والحنان، بمعنى أنك لو قررت إنهاء علاقتك بأي شخص، كانت تربطك به صلة وطيدة، فلا تُبالغ في إهانته، وتجريحه، للدرجة التي قد تحول بينك وبينه إلى الأبد، فرُبما يأتي اليوم الذي قد تضطركما الظروف إلى التعامل سويًا، رغمًا عنكما، وربما تحن إليه في يوم ما، فلو أنك قطعت كل الأحبال التي تربط بينكما، وأغلقت كل الأبواب التي تصل بينكما، فأنت بذلك تكون قد كتبت كلمة النهاية، دُون قصد منك؛ لأنه سيضطر أن يبتعد عنك؛ بسبب عدم استطاعته نسيان ما بدر منك.
فالقسوة موجودة بداخل كل إنسان، ولو بقدر ضئيل، ولكنها إذا زادت عن الحد المطلوب، تتحول إلى عُنف قاتل، يهدم أي علاقة طيبة، والخطأ اللفظي لا يُوجد من هو معصوم منه، ولكن إذا تجاوز كل الحدود، لدرجة الإهانة التي قد تمس الكرامة والشرف والإنسانية، فهنا سيتحول هذا الخطأ إلى جُرْم لا يُغْتفر، ولن يكون للصلح موضعًا.
فكل شيء لابد أن يكون بحدود وحساب؛ حتى لا نخسر أعز الأحباب، وعلينا ألا نُظْهِر كل ما في جُعبتنا، فمن يكره، ليس من المنطقي أن يُعلن كراهيته؛ لأن الكراهية تحديدًا إذا تم الإعلان عنها؛ تُحمل القلوب قسوة ورفض شديدين.
وعلينا أن تذكر دائمًا أن هُناك أمرين، لا يُمكن للإنسان أن يمحيهما من ذاكرته، مهما مرت السنون، وهما موقف نبيل، أتاه شخص ذُو خُلق كريم، وكلمات مُوجعة، صدرت من شخص كان له مكانة خاصة.
فللأسف، هناك صُعوبة بالغة تصل إلى حد الاستحالة في نسيان هذين الأمرين، والغريب أن الموقف النبيل يتساوى في قُوته مع الكلمات المُوجعة، رغم أن المعروف أن الأفعال أقوى من الكلمات، ولكن هناك كلمات لا تُنْسى؛ بسبب قسوتها غير المُتوقعة، وما تركته من إيلام شديد، نال من النفس والقلب.
وتيقن أن كلماتك هي ميزان حسناتك، فهي التي تُحدد مشاعر من حولك، إما أن يُحبوك لدرجة الجُنون، أو ينفرُوا منك إلى الأبد.
بقلم
د./ داليا مجدي عبد الغني