كلمة "الموت" ستظل لها هيبتها أبد الدهر، وسر هذا الأمر لا يعلمه سوى المولى عز وجل، لحكمة لديه وحده، ولكن أغلبنا عندما يُفكر في الموت، تكون حساباته ذاتية بحتة، فهو يُفكر فيما سيؤُول إليه مصيره بعد الموت، وعندما يتدبر الأمر، يقرر أن يُصلح من شؤونه، بغية التقرب من المولى عز وجل، طمعًا في جنته، وخوفًا من ناره.
وكل هذا لا غُبار عليه، فنحن خُلقنا لكي نعبُد الله، ونسعى إلى طاعته، طامعين في نعيم جنته، خائفين من عذاب ناره، ولكن هناك أمر آخر علينا أن نُفكر فيه إذا واتتنا فكرة الموت، وهو الآخرين، فهنا سنخرج من عباءة الذاتية، وسندخل في عالم التفاني من أجل الغير.
فلابد أن يُفكر كل إنسان في مدى رضاء الآخرين عنه، فهل نجح في إسعادهم، وهل استطاع تفهمهم، هل كان طيب العِشْرة، فالحقيقة أن أجمل إحساس في الوجود أن يكون هناك من يشعر بقيمة وجودك، ليس لأسباب مبنية على المادة أو المصالح، أو غيرها من الأمور الدنيوية البحتة، وإنما قيمتك لديه تتمحور في قُدرتك على إسعاده، وتفانيك في إخلاصك له، ورغبتك في تحقيق أحلامه، فكل تلك الأشياء هي الذخيرة الحقيقية، التي يختزنها الإنسان أثناء حياته، لتكون حصنه الحصين يوم مُغادرته الحياة.
وللأسف، جائحة كُورونا المريرة، جعلت كلمة الموت تتردد بشكل دائم في حياتنا، وجعلت الخوف من تلك الكلمة مُسيطرًا على الكافة، وعلينا أن نُدرك أن حُب الآخرين لنا هو الترياق الحقيقي للحياة، فهو الذي يصنع المُعجزات، وهذا لن يتحقق إلا من خلال قُدرة الإنسان على الاستشعار بقيمة الآخر في حياته.
فلابد أن نُدرك أن وجود إنسان يُحبنا بصدق هو نعمة حقيقية، علينا أن نصونها، فهذا الشعور، سيجعلنا نتمسك بالحياة من أجله، والعكس صحيح، وإذا كان لكلمة موت هيبة، فلابد أن يكون المُصطلح الحب ألف هيبة؛ لأن حياة بدون حُب هي والموت سواء.
وللأسف الشديد، نحن دائمًا نُقرن لفظ الحُب بالموت، فلقد اعتدنا أن نقول "أحبك موت، بموت فيك"، والأحرى بنا أن نُقرن الحب بالحياة لا بالموت؛ لأن الحُب وُجِدَ من أجل استمرارية الحياة، وحتى يستمر بعد الموت، فهنا سيكون للحياة معنى، وسيخلق المشاعر بعد الموت، وهنا سيكون للموت أيضًا حياة تنبض باسم الحُب.