من أجمل الصفات التي كُنيت بها مؤخرًا من إحدى الشخصيات التي أحترم آراءها وأثق بها، صفة "القتال"، عندما قيل لي: "أنتِ مُقاتلة".
فرغم أن لفظ "القتال" يتسم بالحدة والعُنف، وأول ما يتراءى أمام العين هو الحرب والدماء، إلا أنه يطوي في جوانحه إحساس بالهيبة والقُوة والإرادة، فالمُقاتل هو الشخص الذي يتحدى الظروف، ولا يخضع لأي شيء يعترض طريقه، ولا يرفع راية الاستسلام إلا في حالة واحدة فقط، وهي قناعته بقضية الطرف الآخر، سواء كان هذا الطرف إنسان، أو مبدأ، أو قضية، أو حتى قدر.
فالمُقاتل شخص مُحب للحياة، مهما أتت عليه وظلمته، ولديه قُدرة على التكيف مع الآخرين، مهما تفاوتت الآراء، وتباينت وجهات النظر، والأهم من ذلك أنه لديه قُدرة غير عادية على عدم الانصياع للرغبات السلبية، ويتسم بالموضوعية الشديدة، فهو لا يُغلب كفته على حساب الضمير والمنطق والأخلاق، فالقتال لابد أن يبدأ مع النفس أولاً، ثم مع الآخرين، فالنفس هي معيار القتال، فلو استطاع الإنسان أن يهزم مثالبه، ويعترف بأخطائه، ويُروض وحشيته، فهنا فقط يستحق أن يُطلق عليه لفظ "مُقاتل".
ولكن للأسف، نحن نهتم بالقتال مع الجهات والجبهات الأخرى، رغم أنها أسهل كثيرًا من القتال مع النفس، فالإنسان لا يضعف أمام عدوه، ولكنه دائمًا ضعيف أمام نفسه، كما أن لديه القُدرة على مُواجهة عدوه بأخطائه وعُيوبه، وإذاعتها على الملأ، في حين أنه يتجاهل أخطاءه، ويتغاضى عن عيوبه، ويُنحي النظر عنها تمامًا بكامل إرادته، والأهم من ذلك، لا يلتمس الأعذار لعدوه، ولا يضع نفسه في موقفه، في حين أنه لا يفعل مع نفسه سوى التماس الأعذار، والبحث عن المُبررات طيلة الوقت.
أعتقد أن حرب النفس تفوق أي حرب أخرى مئات بل ملايين المرات، ولكن هذا ما لا يُدركه الكثيرون، فحارب عُيوبك لو أردت أن تكون "مُقاتلاً".