أكثر الأكاذيب المضحكة فى الحياة هى الأكاذيب التى ننسجها من خيالنا، ثم نصدقها بالفعل، وننسى أننا من حولناها من مجرد حدوتة مكذوبـة إلى رواية يتحاكاها الناس على أنها حقيقة وصدق، فبالفعل، هذه هى الكوميديا الحقيقية، وللأسف أصبحت لغة الكذب لغة حية فى حياتنا نتحدث بها دون إدراك منا، وكأنها جزء من حياتنا، فنحن نستخدمها من أجل التأثير على الآخرين، أو إقناعهم بصدق حجتنا، وربما من أجل إظهار التميز عليهم، أو التجمل أمامهم، وأيًا كانت أسباب الكذب، فلا خلاف على أنها فى النهاية ستصب فى مصب واحد، وهو اعتياد الكذب، الذى أصبحنا نستسيغ لغته ونستسهلها.
والأدهى من ذلك أن هذا الأسلوب إذا ظل على حاله، فإنه سيتحول إلى ثقافة مجتمع، لا يشعر بجرم هذه التصرفات، ومدى تأثيرها علينا وعلى الأجيال اللاحقة، فأصبح للموضوع الواحد أكثر من عنوان، وللقصة الواحدة أكثر من رواية، وكل شخص يعرض الأمر من وجهة نظره، لا من وجهة نظر الحقيقة والواقع، فمن منا لا يعرف المثل القائل: "إحنا دفنينه سوا"، فلو عرفنا حقيقة وأصل هذا المثل، سنكتشف أننا من نسمح للأكاذيب أن تتحكم فينا، وللخرافات التى ابتدعناها فى بناء أفكارنا. وهذا المثل أصله يرجع إلى أن حمار مات، فبُنى فوقه ضريح، ثم أتى الناس يزورون الضريح، وكثرت النذور؛ مما جعل أصحاب الضريح يختلفون، ويهدد أحدهم الآخر ببركة الشيخ المدفون، فقال له رفيقه يذكره بالحمار المدفون: "إحنا دفنينه سوا".
وعليه، فإن أغلب أكاذيبنا الحياتية تكون قصة رويناها، ومن كثرة تداولها صدقناها، فهل يُعقل هذا التصرف أو يستسيغه العقل؟ فلو علمنا حجم الكارثة التى نرتكبها فى كل مرة نؤول فيها الكلام، ونفسر بها الحقائق على أهوائنا الشخصية، لتجنبنا فيها كل هذا الهراء، ولأدركنا أن أغلب الحقائق التى أصبحنا نرددها ونتداولها ربما يكون أصلها أكاذيب مضحكة من صنعنا.