عانس ، كلمة تتردد على ألسنة العرب حال وصفهم فتاةً بلغت الخامسة والثلاثين من العمر دون زواج ، يُرددونها بجهل متناهي ، وبسببها أقيمت بيوت أشبه ببيوت الرمال على شاطيء البحر ، ومع أول موجة تنهار ، فتصير هذه الفتاة ــ ضحية جهل أهلها والمجتمع حولها ــ إمرأة مطلقة ، وفقاً لماش ذكرناه بالمقال السابق.
ولاحظت أن ظاهرة التأخر في الزواج بالنسبة للفتيات تنتشر أكثر بالمدن المتحضرة، وتقل كثيراً بالقرى والمراكز بمحافظات الأقاليم، وأعتقد أن سبب ذلك هو ظهور أجيال كاملة من الشباب بالمدن لا يشغلهم تحمل المسئولية بقدر ما يشغلهم تصفيف شعرهم والجلوس على المقاهي، بينما في القرى يعيش الشاب مع زوجته ببيت والده ، فيظل أبواه يشاركونه المسئولية حتى مماتهما ،
اندثرت في هذا الزمان نظرية " فارس الأحلام " التي كانت الفتيات من قبل تعيشها بحثاً عنه، ذاك الرجل الذي تشعر معه بالرجولة الحق والأمان والحنان والاحترام تحت مظلة كتاب الله وسُنة رسوله ، فيصير الحب بينهما هو هذه الشجرة التي تظل تكبر حتى آخر عمرهما ، وتُصبح العلاقة الحميمة بينهما هي ثمرة هذا الحب ،،
وأما الزواج بأي شخص لمجرد رغبة الأهل في زواج ابنتهما قبل فوات سن الزواج وفقاً لتفكيرهما ، فإنه الطامة الكبرى ، فالزواج هنا لا يكون إلا من أجل حدوث تلك العلاقة ، فتقر أعين الأهل ، وتجد الإبنة نفسها تعيش بأفكار أهلها ، فتصبح العلاقة الحميمة بينها وزوجها من قبيل " أداء الواجب " أو من قبيل " الحق الذي لابد وأن يأخذه " كما يدعى جهلاء هذا الزمان ، وسرعان ما تنهار هذه الحياة ،،
هذه بعض السلبيات ، وأما كلمة عانس تلك ، فلابد أن نعي معناها أولاً حتى يتسنى الفهم ، فهي تنصرف إلى الفتى والفتاة اللذين لم يتزوجا ، وليس إلى الفتاة فحسب ، هذه واحدة ، وأما الثانية ، فهي تعني من أسن ولم يتـزوج ، أي من أعلى الشيب رأسه ، أي من جاوز الستين من العمر ولم يتزوج ، وليس من بلغ الخامسة والثلاثون تلك ، فكم من فتيان وفتيات انشغلوا بالعلم وإثبات الذات والنجاح في العمل حتى بلغوا هذا السن ،،
وأخيراً ، انتشار الجهل بالدين أفقدنا الكثير، بل وصنع جيلاً فاسداً لم يتعلم ماهية المسئولية أو كيفية تحملها ، وزاد الطين بلة جهل الأفكار والعقول ، هذا الجهل الذي حَرَّم زواج الشاب من فتاة أكبر منه سناً ، وإن كنت أعتقد أنه إذا تلاقت الأرواح تلاشت الأعمار، فالسن ليس معيار إختيـار، وأما المجتمع فنحيه جانباً إلى أن يفيق من جهله ،،
وفي الختام ، ولكم في رسول الله أُسوة حسنة ، فإنه الإمام المصطفى صلى الله عليه وسلم ، أولى زوجاته الطاهرة الشريفة السيدة خديجة رضي الله عنها كانت تكبره بخمسة عشر عاماً ، وفي ذلك رسالة إلى البشرية ، الأنثى ليست بسنوات عمرها ، وإنما هي بدينها وأخلاقها وجمال روحها .