دائمًا ما نُردد لفظ "لا تُخطئه العين"، لأن العين من أكثر الحواس التي تستقبل كُل المُؤثرات الخارجية، فالنظر هو أول حاسة يستعملها الإنسان، لذا قيل قديمًا: "العين تعشق قبل القلب أحيانًا"، ورغم ذلك فالعين أحيانًا تُخطئ، وهنا نُردد عبارة: "العتب على النظر"، حتى في الجرائم، هناك "شاهد عيان"، أي من عاين الموقف بنفسه، وقيل كذلك "الخبر غير المُعاينة"، ورغم ذلك فالعين أحيانًا ما ترى ببصيرة القلب، وأحيانًا أخرى ما تُخطئ بسبب ما هو مُتراكم في العقل الباطن، ولا ننسى الأغنية الشهيرة "عُيون القلب"، أي أن العين مُرتبطة بكل أعضاء الجسد، لذا كثيرًا ما ترى بتلك الأعضاء، فتكون الرؤية الروحية على غير ما يظهر على أرض الواقع.
أما الأنف، فهو أيضًا يتأثر بالعقل الباطن، وأنا شخصيًا أعترف بأن مخزون الماضي والعقل الباطن يُترجم لديَّ عن طريق الأنف، فأغلب ذكرياتي تعود إلى عقلي عن طريق الاستنشاق... فإذا حدث واستعملت نوع عطر معين، في يوم كان له ذكرى لديّ، ومرت السنوات واستنشقت ذلك العطر مرة أخرى، تعود بي ذاكرتي تلقائيًا إلى ذلك اليوم.
ولكن الغريب أنني اكتشفت أن حاسة الشم تتأثر بالحالة النفسية للإنسان، فمنذ بضعة أيام أتتني هدية عبارة عن (زُجاجة عطر)، وعندما استنشقته شعرت بشيء من الغثيان، رغم أن رائحته كانت جميلة، فتوقعت أنه رُبما من نوعية العُطور التي لا تروق لي، فقرر أنني لن أستعمله، ولكنني سأحتفظ به بالطبع، وفي اليوم التالي، كنت أقرأ في أحد الكُتب، وإذا بنظري يقع على زُجاجة العطر، فجال بخاطري أن أجرب استنشاقه مرة أخرى، ربما تغير إحساسي به، وبالفعل، أخرجت الزجاجة واستنشقته مرة أخرى، وإذا بي أشعر بأن رائحته مختلفة، وتروق لي بشدة، وهنا زاد اندهاشي، فظللت أستنشقه طيلة اليوم، حتى تيقنت أنه من النوع الذي يروق لي.
وهنا تيقنت أن سر إحساسي الأول كان بسبب الحالة النفسية التي كنت أمر بها في ذلك اليوم، لذا جعلتني أشعر بحالة الغثيان، ولكنني أخطأت واعتقدت أن المشكلة تكمن في رائحة العطر، ولكنها كانت تكمن في نفسيتي، وهنا أخطأت أنفي لأنها تأثرت بحالتي النفسية، فيبدو أن الحواس تتأثر بشكل غير عادي بالحالة النفسية لصاحبها.
وعليه، فكما أن العين تُخطئ أحيانًا، فالأنف أيضًا تُخطئ.