"دوام الحال من المُحال"، هي مقولة حقيقية وصادقة إلى أبعد حُدود والجميع يتناولها من جانب واحد، ألا وهو أن الوضع القائم سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا من المُستحيل أن يستمر، فالغني اليوم قد يُصبح فقيرًا غدًا، والعكس صحيح.
ومَنْ يُحب الآن، قد يكره في يوم ما، والعكس صحيح، بدليل أننا نقول كثيرًا: "لا محبة ألا بعد عداوة"، وأشياء كثيرة يصعب حصرها، بسبب تناقضات الحياة التي تُؤكد دائمًا للإنسان أن الحياة يوم لك ويوم عليك، والإنسان سيظل يتأرجح على ضفافها لآخر يوم في عُمره.
ولكنني أود أن أتناول هذه المقُولة من جانب آخر، ألا وهو قرار الإنسان، فلابد أن يُقرر الشخص في قرارة نفسه أن يجعل الأمور الإيجابية في حياته تدوم وتستمر، بل ويُصدر قرارًا بأنه إذا كان دوامها من المُحال، فعليه أن يُزيدها، ويعمل على تنميتها، وهنا بالفعل سيتغير حاله، ولكن إلى الأفضل.
فلو كانت لديك ثروة، فعليك بتنميتها حتى يُصبح حالك أفضل فيما بعد، ولو كنت تملك موهبة، فاعمل على تطويرها حتى تدوم وتزداد ازدهارًا، ولو صادفت حُبًا صادقًا وحقيقيًا، فحافظْ عليه وأظهرْ أجمل ما فيك لحبيبك، حتى تستمر قصة حُبكما، ولو كنت جميل الشكل، فحافظ على جماك وأناقتك، حتى يظل جمالك باقيًا، ولا يزْبُل مع الزمن، ولو كانت لديك صفات راقية، فلا تقترن بمن يُغيرها، ويُبدلها، حتى تُحافظ عليها لأنها عُنوان شخصيتك.
والآن، سأثبت لكم أن مقولة "دوام الحال من المُحال" ليست مُطلقة، فـ"أم كُلثوم" حتى الآن هي كوكب الشرق، وظل نجاحها مُستمرًا رغم رحيلها من عشرات السنين، ورغم ظُهور ألوان أخرى من الغناء والطرب، ورغم تغير ثقافات المُجتمع، وهذا الأمر ينطبق كذلك على العندليب ومُوسيقار الأجيال، وغيرهم، و"أحمد عُرابي" و"سعد زغلول"، وغيرهما من الزعماء عاشوا وماتوا زعماء وأبطال، وسيزالون أيقونة حتى يومنا هذا، رغم اختلاف الأفكار والتيارات السياسية، إلا أنهم لازالوا باقين بداخلنا حتى الآن.
وقصة حُب "قيس وليلى" لم تتغير حتى آخر يوم في حياتهما، وكذلك حُب "كليوباترا" لـ"أنطونيو" عاش حتى آخر لحظة في حياة كل منهما، وأمثلة ونماذج كثيرة يصعُب، بل يستحيل حصرها في مقال واحد أو حتى مئات المقالات، فالعِبْرة ليست بالزمن فقط، ولكن برغبة الإنسان في أن يُحافظ على مُقتنياته الثمينة، سواء كانت ثروة، أو جاه، أو شخص، أو نجاح، أو شُهرة، فلو قررت أن تحتفظ بأغلى ما لديك، فتأكد أن الحال سيدوم، ولو تغير سيكون بالقطع هذا التغيير للأفضل.