كثيرًا ما نلتقى بأشخاص يشكون من أن الآخرين لا يُعاملونهم إلا من أجل المصلحة فقط، أيًا كان نوع هذه المصلحة، ويُقرون على أن الحُب الذى يُظهره لهم الغير، هو مُجرد مشاعر ظاهرية، لا تمت للواقع بصلة، وأن مبناها المصالح، أو مبعثها الخوف من السلطة والنُّفوذ، وبناءً عليه، أى سلوك ينطوى على عاطفة، يتم إرساله إليهم، يُؤول على أكثر من معنى، ولكن لا يُوجد أى معنى يخص المشاعر أو الإحساس.
ومهما حاولت أن تُقنعهم بأن الآخرين يُحبونهم لشخصهم، لا يقتنعون، ويُصرون على تحليلاتهم المبنية على نظرية المصلحة، ويظنون أنهم بذلك لديهم قُدرة تحليلة على فهم بواطن الأمور، وأنهم يصعب التلاعب بهم، كما أنهم يعتقدون أنهم يُسيئون لغيرهم بهذا الفهم؛ لأنهم يُظهرونهم فى صورة أصحاب المصالح، الذين يُذللون مشاعرهم لخدمة رغباتهم ومصالحهم، وللأسف، يتناسون أنهم أساءوا لأنفسهم أولاً وقبل أى شيء؛ لأنهم بخسوا أنفسهم حقها، فى أنها تستحق الحُب لذاتها، لا لشيء آخر، فهم لا يرون بداخلهم أى شيء يستحق الحُب، فهم يُقَيِّمُون أنفسهم ظاهريًا فقط، إما بما يملكون من مال، أو جمال، أو سُلطان، أو نُفوذ، فيجدون أن هذه الأشياء كفيلة بأن تجعل كل من حولهم يُهرولون خلفهم، ويسعون إليهم، ويتوددون للتقرب منهم، ولا يُحاولون أن يبحثوا بداخل أنفسهم عن أسباب أخرى، تجعل منهم أشخاص محبوبين لدى الآخرين.
فهل هناك ظلم للنفس أكثر من هذا؟! فمُنتهى الظلم أن يحكم الإنسان على نفسه بعدم الإنسانية، ويراها لا تستحق الحب، أو حتى الكلمة الحُلوة الصادقة، فهو يضعها فى قالب الميكنة، التى تعمل بنظام وآلية مُعينة، وتنتهى صلاحيتها بنفاذ ما تملكه من إمكانيات، فلو قرر أحد الأشخاص أن كل من حوله مُجرد قُلوب تحكمها المصالح، وتُحركها الرغبات، فعليه أولاً أن يُحاول تغيير نفسه من الداخل؛ لأنه بلاشك سيكون العيب فيه، لعدم قُدرته على إظهار أشياء أخرى جميلة، تجذب الآخرين إليه، سوى ما يملكه من مصالح تُرضيهم.
فصدقُوني، من يُفكر بهذا الأسلوب، هو لا يُسيء للآخرين، ولا للقيم والمشاعر، وإنما يُسيء لنفسه فقط، ويُظهرها فى أبشع صورة، وهى أنها لا تستحق سوى ما يُصدِّره لها الآخرون من مشاعر زائفة، فحاولوا ألا تُسيئوا لأنفسكم.