يقول الله فى الحديث القدسى: كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به " فالصوم هو قمة التوحيد الضمنى وهذا يجعلنا ويدفعنا لمعرفة المعنى الحقيقى للإشراك بالله حتى نتجنبه فى هذا الشهر الكريم وبالأضداد تتميز الأشياء، أقول معتمدا على الله إن الاشراك بالله كفر على التحقيق، والمشركون مؤمنون بوجود إله ولا يقولون إن العالم خلقه اثنان، ولا أن مع اللّه ربًا ينفرد دونه بخلق شىء، بل وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، قال تعالى فى سورة المؤمنون : {قُلْ لِمَنْ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ّ. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ} [ 84 ـ 89].
وهم مع إقرارهم بأن اللّه هو الخالق وحده يجعلون معه آلهة أخرى، يجعلونهم شفعاء لهم إليه، ويقولون : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللّه زلفى، ويحبونهم كحب اللّه . وهذا هو الشرك الجلى اى الظاهر الواضح وضوح الشمس.
واما الشرك الخفى الذى هو اخفى من دبيب النمل، فكأن تنظر إلى الاسباب فى غمرة فرحك وتنسى المسبب، مثال ذلك أن يقول الطالب بعد ان ينجح لولا انى ذاكرت ولولا انى اخذت الدروس الخصوصية، ولولا، ولولا، إلى اخره ،.. وينسى فى غمرة كل هذا ان يقول ولولا توفيق الله لى واخذه بيدى ما نجحت ولا تفوقت، فهذا نوع من الشرك الخفى الذى لا يسلم أكثرنا منه وإن تحرز ؛ لذلك اوجب الله علينا الاستغفار فى كل وقت وعقب كل مجلس كفارة عن كل لغو حدث أو شبهة شرك حصلت ليتم التوحيد الخالص.
والإشراك فى الحب والعبادة والدعاء والسؤال، غير الإشراك فى الاعتقاد والإقرار. كما قال تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، فمن أحب مخلوقًا كما يحب الخالق فهو مشرك به، قد اتخذ من دون اللّه أندادًا يحبهم كحب الله. وإن كان مقرًا بأن اللّه خالقه.
ولهذا فرق اللّه ورسوله بين من أحب مخلوقًا للّه، وبين من أحب مخلوقًا مع اللّه، فالأول يكون اللّه هو محبوبه ومعبوده الذى هو منتهى حبه وعبادته لا يحب معه غيره، لكنه لما علم أن اللّه يحب أنبياءه وعباده الصالحين، أحبهم لأجله، وكذلك لما علم أن اللّه يحب فعل المأمور وترك المحظور أحب ذلك، فكان حبه لما يحبه تابعًا لمحبة اللّه، وفرعًا عليه وداخلًا فيه.
بخلاف من أحب مع اللّه فجعله ندًا للّه يرجوه ويخافه، أو يطيعه من غير أن يعلم أن طاعته طاعة للّه، ويتخذه شفيعًا له من غير أن يعلم أن الله يأذن له أن يشفع فيه، قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 81]، وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
ثمرات الشرك :
والانسان المشرك البعيد عن اخلاص التوحيد لله يعانى من أمراض نفسية كثيرة قد يكون من أهمها :
اولاً: الاحساس الدائم بالخوف والهلع رغم ما قد يكون لديه من أسباب مادية للأمن والأمان كوجود الخدم والحشم والحراس والمال والأولاد
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أو تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31]
ثانياً: الشعور بالرعب لدى الهزات البسيطة التى تحدث غالبا لمعظم الناس ولا يخلو منها انسان
{سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [ آل عمران: 151].
ثالثا: الاندفاع والسرعة فى تقدير الأمور مما يؤدى إلى الوقوع فى شرك الظلم
{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ؟) [لقمان: 13]،
رابعاً :كثرة نزول الضر بالمشرك وبطئ كشفه عنه بالرغم من توفر اسباب الكشف الظاهرية
{قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56، 57]؛
بعد كل ما سبق نجد ان الوصول إلى التوحيد الخالص أمر واجب ولكنه يحتاج إلى رياضة وعدم غفلة وكثرة ذكر لله جل فى علاه، لذلك نجد ان الله تعالى قرن آيات التوحيد بالاستغفار فقال تعالى :
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]، وقال: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِى لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ . وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 2، 3]، وقال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} إلى قوله: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 50 ـ 52]، وقال: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: 6].
ومن سنن النبى صلى الله عليه وسلم ان نقول عند خاتمة المجلس : ( سبحانك اللّهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ) فإن كان المجلس مجلس رحمة كانت كالطابع عليه، وإن كان مجلس لغو كانت كفارة له،
ولكن هل يتركنا الشيطان لنخلص توحيدنا لله، أبداً فاذا يئس الشيطان من العبد الموحد والمستغفر أتاه من جانب آخر هو الهوى
وفى الحديث الذى رواه ابن أبى عاصم وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكونى بلا إله إلا اللّه والاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يستغفرون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا).لذلك فلكى تكون موحدا مخلصا كان عليك ان تقاوم هوى النفس أيضا لتفوز وتجنى ثمرات التوحيد والاستغفار التى تتمثل فى:
الشعور بالامن والامان والهدى فى الدنيا ،{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]،
صرف السوء والفحشاء عن نفسك وعمن تحب، {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]،
هذا فى الدنيا أما فى الآخرة فالفوز بدخول الجنة. وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من قال: لا إله إلا اللّه مخلصًا من قلبه، حرمه اللّه على النار).
جعلنا الله من الموحدين المخلصين وباعد بيننا وبين ما خفى عنا من الشرك الذى هو أخفى من دبيب النمل.