صالح المسعودى يكتب: الشيخ فهيم

لم أكن لأكتب عن (الشيخ فهيم) فى حياته رغم أنه كان بإمكانى أن اكتب الكثير عن صفاته وقوة شخصيته وأشياء أخرى قد تكون ذات قيمة كبيرة، ولم أكتب الآن عنه كمحاولة منى لإظهار محاسنه على حسب القول المأثور (اذكروا محاسن موتاكم) أو لأننى أريد تأبينه على الملأ، ولكننى مررت معه بتجربة فوجدت أنه من الممكن أن تكون عظة لى ولمن أراد أن يتعظ.

قد تقابلنى عزيزى القارئ المحترم بسؤال من هو (الشيخ فهيم)؟ الشيخ فهيم شخص أخذ من اسمه الكثير لو طبقنا القول المعروف (لكل شخص نصيب من اسمه) فهو ذاك العبقرى (الفهيم) الذى يعيدك بذكائه وفطرته إلى عهد الذكاء المفرط وغير المتوفر الآن بكثرة، فعندما تقابله عن بعد تجده إنسانًا بسيطًا كأى شخص من (صعيد مصر)، لكنك عندما تتعامل معه وتجالسه تجد شخصًا عبقريًا بمعنى الكلمة. فهو قوى الشخصية للدرجة التى يجبر فيها المتكبر على إعطاء الضعيف حقه وهو صاغر وإلا تحول الشيخ فهيم إلى خصم له وما أدراك ما خصومة الشيخ فهيم، فقد كانت هوايته أن يأتى بحق الضعيف حتى لو كلفه ذلك حربًا ضروسًا. لا أخفيك سرًا عزيزى القارئ أننى وأنا أكتب الآن تتساقط عبراتى على أوراقى وكأننى فى حلم مزعج فقد رافقت (الشيخ فهيم) فى السويعات الأخيرة من حياته وكانت التجربة العجيبة، فقد قررت أن أذهب إلى صعيد مصر خاصة (محافظة قنا) فى زيارة لأصدقائى ومنهم بالتأكيد (الشيخ فهيم) فهو شيخ قرية ونجوع (الكلاحين) التابعة لمركز قفط.

وعند وصولى لمنزل صديقى النائب المحترم كانت الأخبار قد وصلت (للشيخ فهيم) ليكون فى استقبالى بكل حفاوة وترحاب وهذا ليس بجديد على أبناء صعيد مصر فهم (أبناء الأصول) وأصر صديقى على تناول وجبة الغداء فى منزله العامر وجمع الغداء مجموعة مختارة من الأصدقاء، ولكن تصادف جلوسى بجوار (الشيخ فهيم) الذى يكاد يطعمنى فى فمى من شدة محبته لى. ثم عقب صلاة المغرب نقرر أنا وصديقى النائب، والشيخ فهيم، الذهاب لعيادة أحد الأقارب وهو ضابط بالقوات المسلحة مصاب إثر العمليات العسكرية فى سيناء، ولكن الشيخ فهيم يشترط على شرطا مهما وهو ضرورة أن أعيده لمنزله قبل العاشرة مساءً فأقدم له وعدًا بذلك. وأثناء عيادتنا للمريض يرى الشيخ أننا قد تأخرنا فيطلب منى الذهاب فاستأذن من الحضور لأننا مازال أمامنا استكمال مسيرة إلى (قوص) حيث السلام على (الشيخ ربيع) وفى الطريق (لقوص) أحسست أن الشيخ فهيم غير طبيعى، فسألته فقال أنا أحس بالبرد (فالصعيد رغم دفئه يتحول للصقيع ليلا) فبادرت بإيقاف سيارتى وخلعت عباءتى وأعطيته إياها. ووصلنا للشيخ ربيع والذى تقع مضيفته بجوار (ضريح) أحد الأولية (الشيخ حسن) فيتركنا الشيخ فهيم نتجاذب أطراف الحديث ويتغطى بالعباءة ويحضر له الشيخ ربيع غطاء آخر، ثم يمر الوقت سريعا ليصحو فجأة الشيخ فهيم وهو يقول (المكان ده مبروك فقد نمت وحلمت إنى تحاسبت وأنهيت الحساب) لنجعلها نحن ندرة منه. ثم نستأذن لنعود لبيت الشيخ فهيم وفى الطريق لم ننقطع عن الكلام والذكريات ونفاجأ به يقول (أنا مش عايز زعل مع حد أبدا من اليوم) لنصل لمنزل الشيخ فهيم فى (العاشرة إلا الربع) ونتركه على أن نلتقى على الإفطار عنده باكر ونستأذنه ونتحرك على بعد مائة متر حيث منزل صديقى النائب (أبو طايع) يستوقفنا أحدهم لمدة دقائق معدودة وما إن جلسنا وإذا بابن الشيخ فهيم يدخل علينا مسرعا وهو مضطرب ويقول (الحقوا والدى توفى)... لقد توفى الشيخ فهيم فى العاشرة تماما كما طلب أن يعود إلى بيته... لقد رحل الشيخ القوى الذى لا يخشى فى الله لومة لائم. قد أكون مضطربًا وأنا أكتب ما حدث ومن الممكن أن أكون أطلت فى سردى لهذه القصة ولكننى تعلمت الكثير منها بل وبدأت أعدل فى سلوكى وتصرفاتى لأننى شاهدت كيف يحس الإنسان بدنو أجله والحياة عامة لا تستحق ضغينة ولا حسد ولا تكالب على سلطة ولا مال وداعا يا شيخ فهيم...........



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;