يقال علم بلا فعل مثل سفينة بلا ربان، فبالعلم يصنع العيش إلى آخر الزمن، ويُخلد هذه الأمة، على أنها هى الأمة الأخيرة، وعلى أنها منجية منتجة، مورقة مزهرة، وعلى أنها كنانة الله التى لا تنفذ سهامها، ولا تخطئ مرماها. فالحياة التى خلقها الله هى حياة كريمة فاضلة ليست ملوثة.. حياة مدنية سليمة صالحة، مجتمع رشيد عادل، وإيمان عميق جداً، فأصحاب العلم لهم دور فى هذا المجتمع مضيفاً إلى الدعاة والعلماء الصالحين المصلحين أصحاب القائمة المشرقة المشرفة إذا صدقت النوايا.
كثير من الناس يختلف تصورهم للحياة، فهم يعتقدون أن الحياة أشكال متباينة لأنفسهم، وكل حسب ما يرغب ويدعى، ولو أنه أتيح لامرئ أن يطلع على الصورة المرسومة فى أذهان الناس عن الحياة أو عما يتخيلون أنه الحياة، لعجب أشد العجب من تضارب ألوان الصورة وتنافر معالمها، لا أنكر أنها مستمرة من حقيقة خارجية واحدة، وكيف أهيئ لنفسى أنى أصدقها، إن هذه الصورة الذهنية تمثل شيئاً واحداً هو الحياة. فالأمر يقف عند هذا الحد، فالناس يبنون أعمالهم وأفعالهم على حكمهم على الأمور، فيسعون إلى ما يحكمون أنه الخير ويحاربون ما يظنون أنه الشر، من هنا ينشأ الصدام القوى بين الأفراد وبين الجماعات فيكون أساسه هذا التعارض فى تصور الناس لأمور الحياة، فبالطبع التنافر يؤدى إلى النفور، والنفور يؤدى إلى القطيعة وإلى الكيد وإلى القتال والحرب، فالناس لا يكلفون أنفسهم عناءً كبيراً فى تصوير الحياة وتخيلها وهم يبدون استعداداً مدهشاً لتصديق ما لا يجوز تصديقه، ويتصور البعض ما لا ينبغى أنفسهم من مشقة وعناء. والكثرة العظمى من الناس فى جهل (مع الإحترام ) مطبق بحقائق الحياة. لذلك فهم راضون عن أنفسهم وأوهامهم، إذاً من الواجب على أصحاب العلم والمتعلمين أن يصونوا عقولهم وأنفسهم، ومن أن تنحدر إلى هذا الدرك الأسفل، وأن يمحصوا اراءهم فى الحياة تمحيصاً دقيقاً، فلا يؤمنوا إلا بما يمليه عليهم العقل الراجح والمنطق السليم والضمير الخلقي، لذلك فإن بالعلم والعقول الراجحة تزن الأمور بميزان العدل والضمير والحقيقة، فلا تجزم إلا بعد التثبت، ولا تقطع بأمر إلا بعد الاستقصاء، فإذا لم تكن أدلة العلم كافية، فالحكم مطلق، والأمر لا يزال قيد البحث، أما العقول الطفيفة (مع الاحترام) فتسرع فى الحكم دون دراية أو اعتماد على أدلة وتبنى النتائج على غير مقدمات، وبهذا المفهوم فهذه العقول تصور الحياة تصويراً بعيداً عن الحياة ونقول لهم إن غاية العلم هى الخير.
فعندما يكون الكون موجود تكون النفس موجودة، ولا معنى للكون بدون النفس وعلى هذا الرأى يكون وجود النفس شرطاً لازماً لوجود العالم، ولا يكون هناك معنى لوجود العالم ما لم توجد النفس المدركة للعلم وبالعلم. فوجود المصلحين، والمجاهدين والعباقرة والنوابغ و الموهوبين، والمؤيدين والمربين وقادة الإصلاح الموفقين الذين ظهروا ونبغوا أصبحت الحياة قطاراً موحداً تجره قاطرة واحدة اختلفت العقول والعلوم فأصبحت القاطرة هى قاطرة المادة والمعدة أو قاطرة الغرض والمصلحة. فالحياة قصة واحدة والركب يسير وهذا القطار سفره أنما هو غايات محدودة، ومنازل معروفة، وأصوات مألوفة، إننى لا أنكر على القارئ أننى لا أجد ولا أبنى حكما، فليس مقام الإنسان فى ذهنى إلا أن يكون ضئيل الجسد، قليل الحول، وإذا كان العالم الذى نعيش فيه واسع الأرجاء، رحب الفناء، فإننى لا أجد فى ذلك إلا مبعثاً للفخر، وحافزاً لسمو النفس، وهل ينقص من قدر المرء أن ينتمى إلى بلد عظيم. فبالعلم تبنى البيوت دون حاجة لأعمدة ولكن بالجهل تنهدم البيوت ذات العز والشرف.
الحياة مسرح، ومسرحها عظيم كالحياة ذاتها، فإن العلم فى الحياة ضرورة قوية من ضرورات الحياة، فالعلم يصور الحياة تصويراً صحيحاً، أساسه الواقع والمنطق السليم والضمير الخلقي، وإنشاء جيل متعلم ينفع بلده وأمته، ولا ننسى أيضاً العلماء إذا حكموا على الحياة جاء حكمهم صادقاً قويماً إذا صدقت النوايا، لا يختلف فيه اثنان، ولذلك إذا نظر الناس إلى الحياة نظرة علمية صانوا أنفسهم وعقولهم وأراحوا أنفسهم وحل التعاون محل التنابذ والتطاحن والتنافر، وراحوا يسعون للخير المشترك بدلاً من السعى فى الكيد والشر.