اليوم ذكرى أروع أيام مصر الحديثة رغم مرور 43 عاما عليه ومهما قلت ومهما عدت فلن أفى يوم العاشر من رمضان حقه فلا يكفى القول أنه كان يوماً مذهلاً تجاوز فيه الوطن والإنسان المصرى بشكل عام جيشاً وشعباً أحلك أيام حياته فلم يكن عبور القناة هو الصعب بقدر ما كان عبور الحاجز النفسى الذى صنعته أسطورة جيش إسرائيل الذى لا يقهر وخط بارليف الذى لا تدمره حتى القنابل الذرية!.. لكن ذرة واحدة من عزيمة جيش مصر عبرت به إلى شرق القناة مجتازاً الصعاب والعراقيل والأهوال.
كنت بينهم وهم يبلون شربات النصر مياه وسكر ويتبادلون الأحضان والتكبير لا يأبهون بالموت ولا أزيز الطائرت وأصوات الانفجارات وعواء الطلقات ولما ارتفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة كانت لحظة فارقة بين الحياة والموت.. وكواحد من أبناء سيناء جثوت على صدرها الذى طال شوقى وحنينى إليه أحتضن رملها وأعتذر لغيابى عنها فقد تجرعت ألم النكسة وها أنا أعيش لحظات الانتصار.. وما حدث كثير يفوق المساحة وقد نُشر عنه الكثير وما تزال الذاكرة تكتنز منه الكثير.. وأول ما أتذكره ونحن نعيش أيام رمضان من جديد بعد تلك السنين أولئك الرجال الأبطال الذين لم يأخذوا بفتوى الأزهر التى أباحت لهم الفطر وهم فى آتون نار الحر .. واصلوا صيامهم قائلين: نريد ان نلقى الله شهداء صائمين.. وكم هى رائعة قصص البطولة والرغبة فى الشهادة الحقة من أجل دين الله والحق والوطن.
إن حب الوطن والفداء له هو الذى دفع ذلك البطل الشهيد وهكذا نحتسبه عند الله.. الذى تقدم مع رفاقه لاقتحام أحد حصون خط بارليف، ولما وجد كثافة النيران من أحد مزاغله ألقى بجسده الطاهر على المزغل وكأنه يريد اقتحامه وليحجب الرؤية عن المتمترس خلفه ويفسح مجالاً لثوان استفاد منها رفاقه فى اجتياز الموانع وتسلق الحصن والتحكم فيه ثم تطهيره وتدميره.. وأتذكر ذلك الجندى البطل الرائع محمود الذى كانت مهمته حمل دانات المدفع من مكان تشوينها والجرى بها تحت كثافة نيران العدو إلى مكان المدفع رغم ثقلها ليواصل المدفع أداء مهمته.
إن قصص البطولة لا تعد ولا تحصى وتحتاج إلى توثيق وتسجيل ونشر لأنها ملك الشعب المصرى الذى صنع ذلك اليوم، وكتب ملحمته بدماء أبنائه وسطرها بحروف كبريائه.
وبعد مرور 43 عاما على ذلك اليوم الذى نفضت فيه مصر عن ثوبها غبار النكسة ما تزال رصاصة 67 تدمى قلبى الذى تذوق مرارة الهزيمة.. وأكرمه الله بالارتواء من شربات الانتصار.. الرصاصة لا تزال فى قلبى لأننا حررنا سيناء لنقتتل على ترابها وبين جبالها وشوارع مدنها.
سيناء كانت وأصبحت وأخشى أن تظل مرثية وطن معلقة تلعب بها الرياح من كل حدب وصوب، وتتلاعب بها عواصف الإرهاب من داخل الدار قبل الجار.. مما فرض على أن أعيش هاجساً إن العاشر من رمضان انتزع شوكة الصهاينة من سيناء لكنه لم ينتزع رصاصة 67 من قلبى.