ما أجمل الطموح والتطلع إلى المستقبل المشرق، والحلم بأن نصل إلى عنان السماء، ونمسك النجوم بأيدينا، ونحقق كل ما تصبو إليه النفس، ولكن رغم كل ذلك لابد أن ندرك أنه علينا ألا تصل بنا أحلامنا إلى درجة التمرد على حياتنا، ورفض ما نعيشه، والاستهانة بمواردنا القليلة، فهذا رفض للنعمة التى نعيش فيها وتمرد عليها، ولكى يشعر الإنسان بأن حياته مستقرة لابد أن ينفق فى حدود إمكانياته، وأن يعيش وفق قدرته، وألا يتجاوزها مع كامل الإصرار على تغيير حياته للأفضل، وتحقيق أحلامه وطموحاتـه، ولكن إلى أن يصل إلى ما يصبو إليه لابد أن يمد رجله على قد لحافه.
وهذا هو المثل الذى دائمًا ما ينصح به القانعون الأشخاص الذين يشكون من ضيق الحال، وقلة الموارد، وأصله يعود إلى أنه كان هناك شاب قد ورث ثروة طائلة عن والده، وكان هو وريثه الوحيد، فلم يُحسن هذا الشاب التصرف فى الثروة، وأخذ يبعثرها، ويلعب بها، وبعد فترة أديرت دنياه، ونفذ جميع ما يملك من ثروة، وأصبح لا يملك قوت يومه، عندها تخلى عنه أصحابه، وضاقت عليه الأرض فخرج من بلدته باحثًا عن عمل يحصل منه على لقمة العيش، وانتهى به المطاف عند صاحب بستان استأجره، ولكنه لاحظ أنه لا يعرف العمل، ولم يسبق له أن زاول العمل، وأنه ابن ترف، لكن ظروفًا لزمته بذلك، فسأله صاحب البستان: "ما الذى أجبرك على العمل ؟ ومن أنت؟" فأخبره الشاب بكامل قصته، فذُهِل صاحب البستان ؛ لأنه يعرف والد الشاب، ويعرف أنه صاحب ثروة كبيرة لا يمكن أن تنفذ، ولكن الشاب أنفقها بغير تعقل، ثم قال له: "لا أريدك أن تعمل وتُهان وأنت ابن فلان"، ثم عقد له الزواج على ابنته، وأسكنه بيتًا صغيرًا قريبًا منه، وأعطاه جملاً، وقال له: "يا ولدى احتطب وبع وكل من عمل يديك، وأنصحك بأن تمد رجلك على قد لحافك".
ومن يفكر فى هذا المثل بتروٍ سيدرك أنه لابد ألا يتمرد على حياته ورزقه، بل يتعايش معهما؛ حتى يغير حياته للأفضل، فالتمرد ليس الحل.