شهد له الكافة برجاحة عقله، بقدرة مدهشة على طرح أفكاره بقوة وسلاسة والربط بين ما يطرحه من حلول وبين مخاطر كثيرة يمكن أن تعصف بالمريض وقد تودى بحياته.
ذهب إليه أهل المريض، بمريضهم، ينازع من الألم من مرض عُضال، وبعد تشخيص جيد (رغم أنه لم يستشر أحد من رفاقه أو من المتخصصين، ربما لشك متأصل فيهم أو نفور منهم بحكم علوّ منصبه ومهنيته العالية عنهم) أخبرهم أن المريض بحاجة ماسة وعاجلة لتدخل جراحى لاستئصال ورم كبير يتهدد حياته، والأمر لا يحتمل أى تأخير.
أُسقط فى يد الحضور من أهل المريض ولم يجدوا سوى الرضوخ لرأيه ثقة فى مهنيته العالية.
من فوره قام بوضع المريض على طاولة العمليات دون استعداد طبى كاف أو إعداد للمريض نفسه، وعندما رأى دهشة فى عيون أقارب وأهل المريض، وقد علا صوت أحدهم ينبه الطبيب أنه بدأ فى إجراء الجراحة فى وجودهم جميعا ودون استعداد، تجّهم وعلت وجهه سحابة من الغضب، محذرا من مغبة الوقوع فى فخ لومه مرة أخرى على شيء يرفضه جملة وتفصيلا.
ثم قال: ثم أن المريض مصاب بداء عضال سيفتك به ولولا حكمته ومهنيته لقُضى الأمر، وأكد لنا بصعوبة وجود طبيب فى مهنيته العالية وكفاءته وقدرته على التعاطى مع مثل هذه الحالات الحرجة. وفى خضم حديث الثقة بالنفس تضخمت ذاته جدا حتى خُّيل للحضور أنه على وشك الانفجار.
بغضب استل مشرط الجراحة من جيبه الخلفى كما لو كان سكينا ,بضربة واحدة فى بطن المريض والحق أنها كانت ضربة بحرفية، صرخ المريض صرخة سمعها الجميع بالمستشفى ثم الحى والمنطقة جميعهم، فتبيّن لهم وللمريض وللطبيب أنه لم يستخدم "مخدّر" عندها لم يجرؤ أحد على تنبيهه مرة ثانية لخطأ ارتكبه برعونة.
هنا لم ينتظر، وشرع فى إثبات وجهة نظره متأففا من الجميع مؤكدا أن الطب الحديث، لم يعد يهتم كثيرا بصرخات المريض أو بالمخدر، وهزّ رأسه بحديث الواثق مرة أخرى بأن صرخات المريض أثناء الجراحة بدون مخدر تبدو له موسيقى شجية تعينه على إتمام عمله.
وتحت وطأة الآلام الرهيبة وصرخات المريض وإغماءات ذويه، علت وجه الطبيب ابتسامة كبيرة امتدت من الأذن للأذن، ولم يبدو فى غمار نشوة ساعدته أن ينبّه أهل المريض لكرمه فى التعامل مع حالته والتدخل لإنقاذ حياته.