"النُّدرة" من الصفات والسمات المميزة في الحياة، فهي أحيانًا تكون ميزة عبقرية وليس لها مثيل، وأحيانًا أخرى تكون سمة مذمومة، وكُلٌ على حسب الموقف والوضع الراهن.
ولكن إذا تحدثنا عن الإنسان بوجه عام، سنجد أن صفة الندرة عادة ما تكون ميزة بالنسبة له، لأنها تكون دليل على أن الله حباه صفات ليست مُتداولة بين بني البشر، ولذا يكون لديه من المُقومات الشخصية ما يؤهله لفعل أشياء ليست معتادة، لإنه يرفض أن يكون من الجُموع، بل يُصر أن يكون مُتميزًا عن بني جنسه.
والنُّدرة لا يشترط أن تكون في الإمكانيات والقُدرات والمواهب فقط، بل هناك نُدرة اشد وأقوى وأجمل، وهي نُدرة الأخلاق والقيم والصفات الإنسانية، فهناك أشخاص بالفعل لديهم قُدرة على ترك بصماتهم الإنسانية على حياة كل من يدخلونها، فهم مُؤثرون بطبيعتهم، ويُحبون أن يُساندوا غيرهم بمنتهى الشفافية والإنسانية، ويأبون على أنفسهم أن يتسببوا في إيذاء غيرهم، حتى لو كان هذا الغير يُشكل عدوًا بالنسبة لهم.
فأـن تكون شخصًا نادرًا، فهذا يُعتبر ميزة في حد ذاته، مثل أن نقول رجل لديه حس إنساني وطبيعة رومانسية خاصة، أو امرأة لديها شجاعة وإقدام، أو شخص قادر، ولكنه كف يديه عن إيذاء عدوه اللدود، أو مظلوم أبى على نفسه الظلم عندما تصالحت معه الحياة، وغيرها من السمات التي تُؤكد أن الإنسان القوي لديه القُدرة على كبح جماح نفسه والسيطرة عليها، ووضعها في بوتقة إنسانية من الدرجة الأولى.
هل تعلمون أن الشخص النادر غالبًا ما يقع الآخر في حبه، أو على الأقل يحظى بإعجاب أغلب المُحيطين به، والأهم من ذلك أنه دائمًا ما يكون محط احترام كل من يعرفه، أو يقترب منه، فحتى من يُخالفونه في الرأي أو المسيرة لا يختلفون على احترامه وتقديره، والدليل على ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رغم اختلاف الكفار معه إلا أنهم كانوا يثقون فيه، لأنهم يعلمون أنه صادق، ولا يعرف لُغة الكذب، وكانوا يأتمنونه على أشيائهم، لأنه لُقب بالأمين.
فهذا هو الاحترام الذي أحيانًا كثيرًا ما يتفوق ويتغلب على الحُب، فأذكر عبارة قالها الفنان الرائع الراحل (أحمد خليل) في برنامج (صاحبة السعادة) من تقديم الفنانة والإعلامية (إسعاد يونس) أنه يشعر بسعادة أكثر عندما يقول له أحد المعجبين: "إنني أحترمك على أن يقول له أنني أحبك"، فالاحترام مبعثه الصفات النادرة التي يصعب توافرها في زمان طغت عليه المادة في كُل شيء حتى في الأحاسيس.