لقاء أكثر من رائع جمعنى بوالدى (متعه الله بالصحة) ذلك الشيخ الكبير الذى تجاوز منتصف العقد الثامن من العمر قضى معظمها فى عمله الدءوب وهو الإصلاح بين الناس راجياً دائما أن ينال ثوابه من الملك الديان، فالدنيا عند والدى كما يصفها دائماً (لا تساوى شىء) فهى دار ممر ويجب على كل إنسان فيها أن يحسن كتابة تاريخه بنفسه ( فالإنسان تاريخ لما بعده ) هذا هو منظور والدى للدنيا.
لكن ما لفت نظرى فى لقاء والدى هو ( شريط الذكريات) الذى جعلنى أكاد احلم بأن أعيش تلك الفترة التى يتحدث عنها والدى وأحسست بفارق كبير بين ما يحادثنى به والدى وواقعنا الآن (صحيح أن الخير موجود إلى يوم القيامة)، لكن هناك تغير شبه جذرى بين ما كان وما نحن فيه الآن، فصفاء السريرة التى يحادثنى والدى بها لم أعد أجدها فيمن يحادثنى ألان فى واقعنا المعاصر، فتصدر الكلمات منه فتدخل إلى قلبك مباشرة فهى تخرج من القلب بكل عفوية ولا تحتاج لتلوين أو تنميق
ليفاجئنى والدى بسؤال (ماذا حدث للناس يا ولدى؟) أين المودة والتواصل بين الناس ؟ فرغم وجود الحياة الميسرة الآن إلا أن هذه أمور تكاد تنقرض وأصبحنا مثل ( الأجانب ) نتواصل عن طريق ( البوك ) وطبعاً يقصد ( فيس بوك ) ثم يستطرد مكملاً حديثه ( أما عن البوك ) فحدث ولا حرج فقد تجاوز أمره كل الحدود وأصبح ( ملهاة العصر )، فتجد الناس وهم فى حجرة واحدة فى جذر منعزلة فيجلس كل واحد منهم منفرداً مع جهاز ( التليفون ) الخاص به فلا حوار بين الأجيال وانعدمت ثقافة الحياة، لان الثقافة الحياتية والخبرات لا تنقل ( إلى ) فهى تحتاج التواصل الحقيقى بين الأجيال
ثم يا ولدى (ماذا حدث للناس؟) من جهة الأدب و(الذوق العام) وما كم الألفاظ النابية التى طغت فى مجتمعنا المحافظ، يا ولدى كان التلفظ بكلمة بسيطة خارجة عن النسق تعتبر سبة فى جبين قائلها لا تغتفر بل يكاد يتوارى عن الناس فترة حتى تنسى خطيئته والآن تلوك الألسنة الكلام ( القذر ) دون رادع أخلاقى أو دينى بل وأصبحت أمور معتادة لدرجة عدم إنكارها من المجتمع لأنها أصبحت عادة متداولة، وبالتأكيد هذه أمور لا يصح أن نسن لها القوانين فهى من بديهيات الذوق وحسن التربية.
ثم أنه كان فيما مضى تقدير الناس ومعرفة قدر الكبير والصغير وهذا الأمر كان من أهم أسباب الترابط الأسرى حتى بين الجيران، فعلى زماننا يا ولدى إذا حدثت حالة ( وفاة ) عند أحد الجيران وقف الجميع وكأن الموضوع يخص كل من فى القرية بل وتؤجل الأفراح لمدة عام بل وبعد العام يستأذن صاحب الفرح من أهل المتوفى، أما ألان وخاصة فى ( المدن ) فيقطنون فى مبنى واحد وتجد فى نفس المبنى مأتم كما تجد ( احتفال بعرس ) ولو تفضل أهل العرس على أهل الميت أن يوقفوا ( الدى جي) حتى يُنزل أهل الميت متوفاهم من الأدوار العليا إلى سيارة نقل الموتى حتى يتم استئناف مراسم العرس بكل صخب
ثم يا ولدى ( ماذا حدث للناس فى رمضان ؟ ) فقد كان رمضان فيما سبق فرصة عظيمة لكسب الحسنات المضاعفة فى هذا الشهر العظيم من قراءة القرآن والأوراد ومنافسة الناس على جلب ( الغريب ) فالضيف مكرم فى أى وقت ولكن يزيد البحث عنه فى رمضان بحثا عن الأجر والثواب أما الآن يا ولدى فمعظم الناس ( إلا من رحم ربى ) يبحث عن خريطة البرامج التليفزيونية والمسلسلات التى يتسم معظمها بالعرى والإسفاف اللفظى الذى يقلده الأطفال الصغار متخذين من مثل هؤلاء القدوة
أما ما يخص إطعام الطعام فتحول يا ولدى البحث عن الغريب والفقير الذى فرض الصوم لنحس به وبفقره إلى موائد للولائم التى يدعى فيها علية القوم وأغنيائهم ( إلا من رحم ربى ) بل والأدهى والأمر ذلك الإسراف الذى يزيد عن الحد الذى نرى فيه الولائم الفاخرة وما بها من تبذير ثم يلقى الفائض عن الحد فى سلال القمامة فى الوقت الذى يتأوه فيه أطفال المسلمين قى عدة بلدان من الجوع والحرمان بل وفى المناطق الفقيرة فى مصر أيضا.
قد يكون كلامى مؤلم يا ولدى لكنها الحقيقة التى يجب أن نواجهها بتغيير سلوكنا للأفضل ولا ابحث يا ولدى عن أن أعيدكم لزمنى فقد تقولون ( دى دقة قديمة ) فقط أقول لكم خذوا من الزمن الجميل أفضل ما فيه وقوموا بخلطه بأجمل ما وجدتم فى الحداثة حتى تستمتعوا بحياتكم لان راحة البال يا ولدى والصدق مع النفس المغلفة بأدب الحوار والذوق العالى هى مقومات مهمة لحياة سعيدة.