يقول (جُبران خليل جُبران) : "دائمًا يُبهرني الشخص الذي يخاف من أثر كلماته في قلب غيره"، فهل نُدرك معنى تلك العبارة، فهي تعني أن الإنسان عندما ينطق بكلمات لا يكتفي بأنها تخرج من فمه فقط، ولكنه يُحللها لكي يتيقن أنها لم تؤثر بالسلب على المُتلقي ولم تترك أثرًا سلبيًا على الغير، فهذا الإنسان يملك من الحس المُرهف ما لا يملكه غيره، فالكلمات لها أثر غير عادي على الإنسان، فهي إما أن تدفعه للأمام، أو تُهرول به إلى الخلف، وإما أن تُحوله إلى ملاك، أو إلى شيطان، فالكلمات قد تكون نعمة، وقد تتحول إلى نقمة، فالأحكام الصادرة على الإنسان في ساحات المحاكم، أو ساحات الحياة هي في أساسها كلمات تُغير مجرى حياته كليًا، وكلمات الحُب أو الكراهية هي التي تُشكل وجدان الطرف الآخر، إما أن يكون خصمًا أو حبيبًا.
فالشخص الذي يهتم بأثر أقواله وكلماته على غيره، بالقطع يتمتع بصفات غير مُعتادة بالنسبة للإنسان العادي، فهو لا يصب كامل اهتمامه على ذاته فقط، بل يرقى بمستوى تفكيره لكي يهتم بما يحدث من تداخلات نفسية لدى الغير، قد يكون سببها المُطلق كلمة خرجت من فمه، ولو بشكل عابر وغير مقصود، فهذه السمة الإنسانية لا خلاف على أنها نادرة الوجود، فهذه هي النفس اللوامة، التي تجعل صاحبها دائم التفكير في غيره، ومُحاولاً بشتى الطرق التغيير من سلبياته وإصلاح أخطائه، فهو يضع نفسه موضع الآخرين، ويرى مدى استقباله لكلماته ووقعها على هذا الغير، وهنا يُقرر إما أن يعتذر على ما بدر منه، حتى ولو كان غير مقصود، أو يُحاول الاعتذار بشكل غير مباشر لكي لا يُعيد الجرح مرة أخرى في قلب الآخر، ويكون هذا الاعتذار من خلال السلوك والتصرفات.
ولكن ألم تلاحظوا معي أن "جُبران خليل جُبران" اختار مُصطلح "يُبْهرني"، لأن بالفعل هذا السلوك لو توافر في شخص، فإنه يتحول إلى إنسان مُبهر، فهو يجد صدى حُب واحترام من الناس بشكل غير عادي، لأنه يهتم بالأمور التي لا يقف عليها الكثيرون.
فما أجمل احترامك لمشاعر الغير، واهتمامك بتفاصيلهم، وحرصك على أحاسيسهم، فهذا الشخص مُبْهر بلا شك.