ياترى أيه الهدف إننا نحتفل بمولد خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، هل ممكن يكون عشان مناسبة سعيدة نطلق فيها الأغانى والأناشيد الدينية؟ أم يكون بفرحة الأطفال بحلاوة المولد وعروسة المولد؟ والحقيقة إننى أحيى كل الفن الهادف الذى يقدم القيم ويسمو بالمشاعر الجميلة وخاصة إذا كان دينيا، كما أننى أيضا أجد أن أطفالنا فى حاجة إلى معرفة النبى وليس المولد النبوى، فالنبى عليه الصلاة والسلام الذى عرف قبل أن يصبح نبيا بالصادق الأمين أمر يستحق التوقف كثيرا أمامه منا، كبارا وصغارا أن الله حينما اصطفى إنسانا للنبوة اختار الصادق الأمين والذى أجمع أهل بلدته على ذلك قبل أن يمنحه الله أى منح نبوية!
كتب المؤلف الأمريكى مايكل هارت كتابا بعنوان الخالدون مائة وضع على رأسهم النبى محمد ثم إسحق نيوتن ثم أتى بالمسيح وبعده بوذا، واضعا معيارا هاما فى ترتيبة وهو قوة التأثير وعندما سالة البعض عن تأخر المسيح عليه السلام قال، أن الترتيب لا يعطى مزيدا من العظمة ولكنه يرى أن قوة تأثير نبى الله محمد فى تشكيل الديانة الإسلامية كانت أكبر من تأثير المسيح فى الديانة المسيحية حسبما قرر هارت فى منهجية كتابه!
فى نهج النبى محمد الغاية لا تبرر الوسيلة، فلم يكن شاربا للخمر حتى لا يذهب عقله قبل أن تصبح محرمة بعد ذلك، كما أنه وضع الصدق والأمانة أساسا لكل شىء بل أنه يرى أن المؤمن يمكن أن يقع فى الكثير من الرذائل ويمكن أن يتوب عنها إلا الكذب لا يمكن أن يتصف به مؤمن، حيث الكذب يضرب الإيمان والمعتقدات فى مقتل!
لقد كان الرسول العربى الكريم محمد رجلا لطيفا متسامحا. لم يختر الحرب بل فُرِضت عليه، فدافع عن نفسه ودينه وشعبه. وحين انتصرت دعوته، قام بفتح مكّة سلما ولم يحاول الانتقام من كل مَنْ آذاه، فقال بما معناه: "مَنْ دَخَل الكعبة فهو آمن ومَنْ دخل داره فهو آمن ومَنْ دخل دار أبى سفيان فهو آمن". وهذا أن نمّ عن شىء، فإنه ينمّ عن قلب كبير وتسامح عظيم. وحين انتصرت دعوته، أشار إلى أصحابه بأن "الجهاد الأصغر" هو الذى انتهى وبدأ "الجهاد الأكبر" وهو "الجهاد مع النفس" للارتقاء بإنسانية الإنسان؛ فهل حققت الثقافات كلها هذا الارتقاء بالإنسانية؟ أم أن ما نشهده الآن من إبادة جماعية وانتهاك للإنسانية والشرعية الدولية فى ويسكت عن كل ذلك العالم "المتحضّر" الذى يقدّس حرية التعبير هو الارتقاء بالإنسانية؟!
عالم اللاهوت السويسرى هانز كونج مكث فترات يقرأ عن النبى محمد، الأمر الذى أوصله لعدة قناعات هامة منها ما قاله: "محمد نبى حقيقى بمعنى الكلمة، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمدًا هو المرشد القائد على طريق النجاة".
قال عنه الشاعر الفرنسى فرانسوا دى لا مارتين: "ما مِنْ إنسان مثله قطُّ، وبوسائل ضعيفة للغاية، قام بعمل لا يتناسب إطلاقاً مع قدرة القوى الإنسانية، إذ لم يكن يملك وسيلة تساعده فيه إلاّ ذاته، سواء فى المفهوم الفلسفى أو فى تحقيق مثل هذا المصير العظيم؛ وكذلك لم تساعده سوى حفنة من البدائيين على ناصية الصحراء، "إذا كانت عظمة الهدف وضعف الوسائل والنتيجة الكبيرة التى تحققت هى المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان، فمن يجرؤ بعد الآن على إجراء مقارنة إنسانية بين رجل عظيم من التاريخ الحديث وبين النبى محمد ؟! لقد أسس النبى محمد على قاعدة القرآن الكريم، الذى أصبح فيه كلُّ حرف يشكّل قانوناً، هويّةً روحيةً تشمل شعوباً من كل اللغات والأعراق. وطبع بحروف لا تزول لهذه الهوية الإسلامية، الكرهَ للآلهة المزيفة وعشقَ الله الواحد وغير المادى".
ويستطرد لامارتين: فى علم الميكانيكا، إذا كانت قوة القذف هى القياس الدقيق لقوة الدفع، فإن الفعل فى التاريخ هو، بالطريقة ذاتها، قياس قوة الإلهام. فالفكر الذى يصل إلى مكانة جِدّ رفيعة وجِدّ بعيدة ويدوم لزمن طويل جداً، هو فكر قوى للغاية ومن أجل أن يكون هذا الفكر بهذه القوة، يجب أن يكون غايةً فى الصدق والثبات "إنه فيلسوف وخطيب فصيح ورسولٌ ومشرّع ومحارب وفاتح لأفكار جديدة ومؤسس لعقائد عقلانية ولعبادةٍ دون صُور، ومؤسس لعشرين امبراطورية على الأرض ولامبراطورية روحية واحدة؛ هذا هو النبى محمد!
"فمَن نجد أعظم منه إذا ما قيس بكل مقاييس العظمة الإنسانية؟!"
مثلما رأى هارت وهانز ولامارتين وليو تولستوى هناك وهوفمان وغيرهم من الذين قرأوا بحيادية عن الرسول ربما لاننا ولدنا مسلمون فلم نجتهد مثلهم فى ذلك فهل يمكن أن يكون المولد النبوى هو بداية لان نقرأ عن رسولنا ونقتدى باخلاقة الكربمة التى كانت سببا رئيسيا فى خلود رسالته !