الاختلاف هو سنة كونية فُطر عليها البشر منذ نشأة الخلق الصواب فيه يعتمد على حجم المعرفة والظروف المحيطة وفهم نظرية الاختلاف يتراجع بشكل واضح ويحل محلها شعور بالبغضاء يغذيه خطاب الكراهية الشائع فى عالمنا المعاصر وحياتنا الحالية، فقد تراجع حجم السماحة واختفى إلى حدٍ كبير مفهوم قبول الآخر، وتاهت تقاليد الحوار البناء وضاعت فى الزحام قيم كثيرة نقلتنا من مرحلة الاختلاف إلى مرحلة الخلاف.
إذ أن هناك فارقًا كبيرًا بين الاختلاف والخلاف فالاختلاف هو تباين فى الرأى أقرب إلى الحوار صامتًا أو معلنًا منه إلى أى شىء آخر أمّا الخلاف ففيه دلالة بروز عنصر الإرادة والشعور العميق بالحد الفاصل بين الأطراف، فالاختلاف ظاهرة طبيعية نجمت عن أنماط البشر وتنوع الإنسان أما الخلاف فغالبًا ما يكون صدامًا فى المصالح وتعارضًا فى الأهداف قد تتولد عنهما خصومة كبيرة تؤدى بالضرورة إلى مواجهاتٍ ليس لها حدود.
فمن المنطقى أن نختلف فى وجهات النظر والرؤى عموماً لكن لا يوجد أى منطق فى التصرف بهمجية وتعصب لأفكار أساس صحتها من خطأها نسبى بحت تترجج فيها فرصة صوابها بمقياس منطقية الرؤية والدراية بشمول الأمور والتخلى عن التكهنات والتوجهات وإعمال العقل والحكمة فى تناول الأحداث هنا نبنى مجتمعاً صحياً قادراً على التمييز بين الحق والباطل والصالح والضار فبالاختلاف البناء المحايد تبنى مجتمعات قادرة على التغلب على مشاكلها وتحدياتها.
فالاختلاف ليس تخلفا أو رجعية ولكن الخلاف بسبب الاختلاف هو قمة التخلف والرجعية.
ولكى يكون الاختلاف مفيداً وإيجابياً لابد وأن يكون تحت مظلة الانتماء للوطن والزود عن مصالحه ونأخذ فى الاعتبار عدم الانسياق وراء تحريض هنا أو تأليب هناك مهما كانت القناعات والتبريرات لأن في ذلك إضراراً بلحمتنا والوقوف صفاً واحداً خلف قيادتنا فى لحمة وطنية تعمل معاً يداً واحدة للبناء والتطوير فى جميع جوانب التنمية فى عصر فيه كثير من التحديات وبعض ما نراه من ممارسات وتعاملات وفرض آراء تتعارض مع ما يتطلبه ذلك العصر وجهودنا يجب أن تصب جميعها فى التفكير فيما يواجه بلادنا من تحديات ومعوقات ولا يخفى على أحد حجم التحديات التى عاف عليها الزمن فى جميع المجالات وثقتنا كبيرة فى البناء والإنجاز فلا نضيع وقتنا فى ممارسات تدعو إلى الفرقة والتنابذ والتشكيك فى كل إنجاز حتى لا يعود بالضرر على بلادنا ومجتمعنا الذي ينتظر منا جميعاً العمل على مواجهة تلك التحديات.
فلقد عانينا كثيراً أثناء تولى جماعة الإخوان حكم البلاد فى فهم وتطبيق مفهوم الاختلاف وأخذه بمحمل الخلاف والعداء والكراهية والبغضاء ونظرية أنتم ونحن وإن لم تكن معى فأنت ضدى واحتكار نظرية الصواب لأنفسهم دون غيرهم والتعامل بعصبية الجاهلية فى الاستبداد بالرأى والإفراط فى عدم الثقة فى أى فصيل أو تيار آخر فالاختلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية ومن غير الطبيعى أن يولد اختلافنا كل هذا النفور والافتراء بالباطل والكذب والمحاولة بكل الأساليب الغير مشروعة تشويه الرأى الصواب لمجرد أنه لا يخدم مصلحة شخصية ما أو فرض واقع لا تقتضيه المصلحة العامة فصالح الأمر يفرض نفسه على الجميع وغير مرهون أو مشروط بنية معينة أو تزييف بعينه.
ومن هنا جاء الحوار الوطنى الشامل التى تتميز به هذه المرحلة لجعل من الاختلاف جسر من التواصل وتقريب وجهات النظر وليس للعداء والنفور وفتح أفاق جديدة فى الحوار البناء لا الهدام وطرح المواضيع والقضايا بشفافية كاملة ولكن حتى لا يكون الاختلاف مجرد ممارسة فوضوية وغوغائية وساحة لممارسة الصراخ والصدام ويكون ظاهره الاختلاف وباطنه الخلاف والتربص وتغليب مصلحة شخصية أو نية سيئة الغرض منها هدم الوطن والعبث بمقدراته ومصالحه لابد من وضع قواعد وآليات لهذا الاختلاف يلتزم بها طرفا الاختلاف وتكون بمثابة ضوابط وترمومترات تقيس درجة وموضوعية الاختلاف.
حفظ الله مصر ودامت وطناً لنا وسكناً.