حـســن زايـــــد يكتب: مسئولية اجتماعية متكاملة

الْمِشُّ لمن لا يعرف جُبنٌ يعتَّق فى اللَّبن والملح ، ثم يترك فى الجرَّة دهراً حتى يصلحَ فيصير إِداماً . وقد جرى على الألسنة فى مصر مثل : دود المش منه فيه . ورغم أن المثل من الناحية العلمية غير دقيق ، لأن المش لا يُدوَّد ذاتياً كما كان يعتقد ، إلا أن المثل لا يزال سارياً فاعلاً ، حال الرغبة فى التعبير عن الفساد الذاتى فى الأشياء .

أما السبب الحقيقى وراء تدويد المش هو أن الذبابة المنزلية تضع بيضها فى المكان المناسب ، وكان المكان المناسب هو عنق الزلعة أو البلاص ـ وهى إناء من الفَخّار له بطن كبير وعُرْوتان ، تُحفظ فيه السَّوائل أو الجبن ـ وتخرج منه اليرقات ، التى تختلط بالمش . وقد كانت الليفة ـ اللِّيفُ : قِشْرُ النَّخل الذى يُجاور السَّعَف ـ التى تضعها الفلاحات فى عنق الزلعة ، هى أنسب عش للدود بمجرد خروجه من البيض ، وأفضل العوامل المساعدة على إكمال دورة حياة الذباب . ومع اكتشاف تلك الحقيقة العلمية الداحضة ، بقى تعتيق الجبن على حاله كذلك دون تغيير .

واستمر المثل المصرى الشهير سارياً ، وقائماً على ذات الاعتقاد ، وهو أن الفساد ذاتياً ، منه فيه . وقد تذكرت هذا المثل حين كنا نتجادل أنا وصديق لى عن مدى مسئولية النظام الحالى عن الفساد الضارب بجذوره فى أطناب الجهاز الإدارى للدولة . الطُّنُبُ : عَصبُ الجَسد الذى يتصل بالمفاصل والعِظَام ويشدها . نعم هناك فساد فى التعليم ، وفساد فى الزراعة ، وفساد فى الطب ، وفساد فى الهندسة ، وفساد فى الإسكان ، وفساد فى المحليات . أينما تولى وجهك تجد الفساد ، وتزكم أنفك روائحه المنبعثة من كل حدب وصوب . والصالح فى جانب تجده فاسداً فى جوانب .

ويؤكد هذه الحقيقة مشاهدات تراها بأم عينك ، ولا محل لإنكارها . فأنا شخصياً أعرف أناساً أحدهم ذقنه تتدلى على صدره ، وبنطاله قصير ، ولا يترك السواك من يده ، ويتحدث بحديث الدين ، من باب قال الله ، وقال الرسول ، يغادر العمل كى يصلى فى مسجد خارجه ، يبعد بضعة كيلومترات ، مع وجود مسجد فى مقر العمل . وآخر يغادر العمل كى يذهب إلى دار لتحفيظ القرآن فى مواعيد العمل الرسمية ، ليحفظ القرآن . وثالث يذهب إلى قضاء مصالحة . وذلك بخلاف الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ . وقد يرجع ذلك إلى حالة الترهل الشديد التى يعانيها الجهاز الإدارى ، الذى يعد الغطاء الشرعى للبطالة المقنعة . ونتيجة لذلك لابد وأن يكون هناك فشل وفساد . بل إن الفشل والفساد قد ضرب الجهاز من منبت شعره إلى أخمص قدمه . وهنا يأتى السؤال عن مدى مسئولية النظام الحالى عن هذا الوضع ؟ . فإذا كان النظام الحالى لم يصدر أوامره بممارسة الفشل والفساد ، وإن كان ليس بمقدوره إصدار فرماناً رئاسياً بالتخلص من هذا الجهاز، لأن ذلك يعد خياراً شمشونياً ، يهد المعبد على رؤوس من فيه ، ويفجر المجتمع من الداخل ، فلا يمكن محاسبته عن الوضع الراهن ، الذى ورثه عن سابقيه ، وصار دود المش فى عهودهم حيات وثعابين . وتنحصر مسئوليته فى المعالجة التدريجية الهادئة ، والكف عن وضع الليفة فى عنق الزلعة ، واستخدام المبيدات الحشرية فى قتل الذباب ، قبل أن يصل إلى مواضع وضع بيضه ، حتى لا نأكل المش بدوده ، ونكف عن استخدام المثل ، والمسئولية هنا ليست مسئولية النظام وحده ، وإنما مسئولية اجتماعية متكاملة . أليس كذلك ؟ .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;