بالنظر إلى زيارة نتنياهو إلى عدد من الدول الأفريقية، وتحديداً دول حوض النيل، وهى أوغندا وكينيا ورواندا وأثيوبيا. مصطحباً معه 80 رجل أعمال يمثلون 50 شركة إسرائيلية وذلك بعد قطيعة معلنة، وعلاقات سرية مع بعض هذه الدول سنجد فيها جوانب تستحق التأمل. فقد التقى رئيس الوزراء الإسرائيلى قادة شرق إفريقيا ( أوغندا، ورواندا، وإثيوبيا، وكينيا، وتنزانيا، وجنوب السودان، وزامبيا )، بمدينة عنتيبى الأوغندية، فى لقاء وصفه نتنياهو بـ"التاريخي".
والهدف الإستراتيجى للدولة الصهيونية، بغض النظر عن التفريعات على هذا الهدف، هو وضع قدم داخل القارة الأفريقية. وبالورقة والقلم، سنجد أن وضع هذا القدم هو خصم من الأمن القومى العربى. فتاريخياً كانت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية فى أزهى صورها، منذ نشأة هذا الكيان الغاصب، حتى وقع العدوان الإسرائيلى على الدول العربية فى عام 1967 م، تغيرت الصورة، وتحولت اسرائيل إلى دولة عدوانية توسعية، من وجهة النظر الأفريقية، وبدأت الدول الأفريقية فى مراجعة مواقفها من دولة اسرائيل. وبعد حرب اكتوبر 1973م عمدت الدول الأفريقية إلى قطع علاقاتها معها من خلال قرار جماعى ملزم جرى اتخاذه من منظمة الوحدة الأفريقية، التى تحولت إلى الإتحاد الأفريقى فيما بعد. واقتصادياً ـ كما هو معروف، فإن الإقتصاد قاطرة السياسة ـ ذهب نتينياهو وهو يحمل تحت إبطه حزمة من المشروعات الإقتصادية، التى تعنى الوجود الفعلى والمؤثر والفاعل فى السياسة الأفريقية، وربط الإقتصاديات الأفريقية الهشة بالإقتصاد الإسرائيلى الذى لم يعد اقتصاداً تسولياً كما كان فى السابق، وإن لم يفقد مصادر تسوله. وهذا يعنى صعوبة دخول مصر ـ فى ظروف اقتصادها الراهنة ـ حلبة المصارعة الإقتصادية معها على أرضية الحلبة الأفريقية، وهشاشة التواجد العربى الإقتصادى فى أفريقيا سياسياً، بخلاف حالة التشرذم العربى المزرية إزاء المواقف التى تستدعى موقفاً عربياً موحداً. وهذا المدخل الإقتصادى يساعد اسرائيل على نحو مباشر فى أمرين، الأول: الحصول على صفة الدولة المراقب فى الإتحاد الأفريقى. الثانى: ضمان الحصول على انحياز الدول الأفريقية لصالح اسرائيل فى الأمم المتحدة، والمحافل الدولية، وبالتالى تهميش الضغوط العربية الممكنة ـ والمحتملة ـ حال رغبتهم فى الحصول على أى قرارات متعلقة بإسرائيل ككيان عنصرى غاصب. كما أنه يساعدها على نحو غير مباشر فى عدة أمور: الأمر الأول ـ ضرب العمق الإستراتيجى المصرى أفريقياً، وتطويق مصر مائياً لتليين مواقفها إزاء المواقف الإسرائيلية من القضية الفلسطينية من ناحية، ومحاولة الحصول على الماء النيلى عن طريق سيناء من ناحية أخرى. الأمر الثانى ـ الحصول على موقع قدم لإسرائيل فى دول القرن الأفريقى يسهم على نحو واضح فى الشغب على عربية البحر الأحمر، من خلال الشغب على مدخله الجنوبى عند باب المندب، ويسهم فى حصار الدول العربية ـ أو تطويقها ـ من جهة الغرب. الأمر الثالث: شغل الأقطار العربية بذواتها، وإبعادها عن قضيتها المحورية ـ فلسطين ـ، وضمان عدم وجود موقف عربى موحد منها حالاً واستقبالاً، يمثل تهديداً لوجودها، أو يحول بينها وبين أهدافها التوسعية، من أجل تحقيق حلم اسرائيل الكبرى. الأمر الرابع ـ ستفقد القضية الفلسطينية، إن لم يكن التأييد، فعلى الأقل التعاطف، الذى جرى بناءه على مدار سنوات، على اعتبار أن اسرائيل دولة عنصرية، تمارس عنصريتها فى أبشع صورها فى مواجهة المواطن الفلسطينى. الأمر الخامس ـ استكمال مخطط الشرق الأوسط الكبير، الذى تقوده الدولة الصهيونية، أو يقاد لصالحها، بعد نجاح مشروع التفتيت والشرذمة للدول العربية، باعتبار أن اسرائيل لن تكبر إلا فى وسط الصغار. تلك هى الأهداف التى سعى إليها الإرهابى نتنياهو من وراء زيارته التى لم تكن مفاجئة لدول حوض النيل، والتى بالضرورة لا تغيب عن المتابع العربى، فضلاً عن القيادات السياسية. فما هو الموقف العربى المنتظر ؟. المطلوب من العرب، فى صورة عمل جماعى ـ سواء عن طريق الجامعة العربية أو من أى طريق آخر ـ العمل على استعادة الموقف الأفريقى، المقاطع للكيان الصهيونى باعتباره كيان عنصرى غاصب توسعى، بأى ثمن. والعمل على مساندة الموقف المصرى، وتمكينه من استعادة دوره الريادى، وعمقه الإستراتيجى، فى القارة الأفريقية. وهذا العمل ليس منافياً للأعراف والتقاليد والقرارات والقوانين الدولية. لأن هذا الكيان غير الأخلاقى سمحت بوجوده، وزرعته، ورعته، ونمته، وكبرته، وسمنته، حضارة الغرب غير الأخلاقية، والعنصرية فى بعض ـ إن لم يكن معظم ـ جوانبها، وأسباب وجودها، وتقدمها. وهم وإن امتلكوا القوة والهيمنة، إلا أن هذا لا يضفى عليهم المسحة الأخلاقية التى تعطى وجودهم مبرراً على المستوى الإنسانى فهل نحن فاعلون ؟.