كثير من الناس لا يُدركون معنى كلمة "العتاب"، وعليه يقعون في مشاكل جمَّة مع غيرهم ومع أنفسهم، بمعنى أنهم يظنون أن مجرد العتاب بينهم وبين ذويهم كفيل بإنهاء أي مشكلة، ولكنهم يكتشفون بعد مرور فترة زمنية وجيزة للغاية، أن المشكلة قد تكررت مرة أخرى، ولكن ربما بتفاصيل مُغايرة بعض الشيء، ويبدأ اندهاشهم من هذا الأمر، لدرجة أن المشاكل قد تخلق جسرًا بينهم وبين أقرب الناس إليهم، وكلما حدث العتاب يمر مرور الكرام، وتتكرر المشاكل مرة أخرى، ويبدأ التساؤل بينهم، وهو ما قيمة العتاب طالما أننا نظل في الخلاف.
والسبب ببساطة شديدة أنك تُعاتب على خطأ أو موقف، وتنسى أن هناك طبع لا يتغير، هو الذي يُحرك تلك الأخطاء، فالمشكلة لا تكمن في المواقف، ولكنها تكمن في أعماق طباع الإنسان الذي تُجبره على الإتيان بسلوكيات أصبحت في صميم تكوينه الإنساني، لذا يُكرر أخطاءه مرارًا وتكرارًا دون أن يشعر، فهو يتصرف من وحي أفكاره، وطبائعه، وسلوكياته التي جُبِلَ عليها على مر السنين، لذا، فلا يتأثر كثيرًا بالعتاب، ولا يقف عنده إلا عند مرحلة معينة، وبمجرد مرور فترة بسيطة، ويجد نفسه قد وضع في ذات الموقف مرة أخرى، نجده يُكرر سلوكه بشكل نمطي وغير مقصود.
والأولى بنا أن نسعى جاهدين لمحاربة طبائع مَنْ يهمنا الاستمرار معهم، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد، وللأسف كثيرًا ما تخفق تلك المحاولات رغمًا عنا، أسوة بالمقولة الشهيرة: "الطبع يغلب التطبع"، ولكن لابد من المحاولة لأنها أحيانًا كثيرة ما تأتي بثمارها مع مَنْ يريد أن يتغير، وكما قال الله تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
وعليه، فعلى كل إنسان يستشعر أن لديه بعض الطبائع التي سوف تدفعه إلى خسارة مّنْ حوله، أن يسعى جاهدًا لمحاربة ذلك الطبع، وهذا الأمر يحتاج إلى خطوتين، الأولى أن يُؤمن بأنه بحاجة إلى التغيير من أجل تحقيق هدف معين، والثانية أن يُدرب نفسه على هذا التغيير تدريجيًا، ومن هنا ستبدأ سلوكياته في التغيير، وبالقطع هذا الأمر سيأتي بنتائجه بشكل تدريجي، وهنا سيكون للعتاب مغزى، لأنه لو تغير الطبع، فستكون المشاكل مرتبطة بالمواقف، وهذا يمكن حله؟ أما مشاكل الطباع، فهي العقبة الحقيقية التي تجعل من العتاب مجرد جسر لمرور مشكلة أخرى، وعليه فلا يأتي بثماره المرجوة.
بقلـــم
د./ داليا مجدي عبد الغني