فى دبلومة "مدرس أكاديمى" بأمريكا منذ ثلاثين عاما تقريبا فاجئنا البروفيسور المشرف، بقصه رغبه منه أن نجعلنا نقدر دور المعلم ودور إمكانياته الشخصية فى زيادة نسبه استيعاب الطلبة.
القصه عن مدرس جامعى عرف عنه أن نصيبه من مهارات التدريس كان محدودا، مما جعل الطلبه يعزفون عن مسايرته أثناء المحاضره، بل أن بعضهم كان يجد تلك المحاضرات فرصه للاسترخاء أو للنوم.
يحاول المدرس أن يجعل الطلبه يقظين معه لكن عبثا تبوء محاولاته بالفشل، ويوما بعد يوم يزداد عدد الطلبه المستسلمين للنوم أثناء المحاضره حتى يجيئ اليوم الذى ينظر فيه المدرس إلى القاعه فيجد جميع الطلبه قد راحوا فى ثبات عميق، عندها يغادر المدرس قاعه المحاضره وقد انتوى فى أمره شيئا.
فيى اليوم التالى يحضر المدرس المحاضره ومعه جهاز تسجيل ليقوم بتشغيله وينصرف وسط دهشه الطلبه الذين أصاغوا السمع فاذا صوت مدرسهم ينبعث من جهاز التسجيل وهو يشرح محاضره اليوم.
ينقسم الطلبه فريقان، فريق يحاول أن يتابع صوت المدرس منبعثا من جهاز التسجيل لحرصه على ألا يفوته واردة أو شاردة من المنهج الدراسى، وفريق آخر يجدها فرصة ذهبية لأن يصول ويجول داخل المحاضرة مستسلما لأقصى مظاهر العبث.
فى اليوم التالى لا يجد الفريق الأول حلا سوى أن يحضر كل طالب جهاز تسجيل خاص به وأن يضعه بعد تشغيله بجوار جهاز التسجيل الخاص بالمدرس لتسجيل المحاضره، بينما يستمر الفريق الثانى على حاله العبث التى انتابتهم من اليوم الاول.
يستمر الحال على هذا المنوال بضعه أيام لكن الفريق الثانى سرعان ما بتنبه بعد تفكير أنه راسب لا محاله، ولا مجال لديه سوى أن يتبع على الاقل اسلوب الفريق الاول.
فى اليوم التالى يدخل المشرف المحاضره ليجدها خاليه تماما من الطلبه والمدرس، وعلى المكتب الرئيسى وضع جهاز تسجيل ينبعث منه صوت المدرس وحوله رصت أجهزه تسجيل لكل الطلبه.
تذكرت تلك الحادثه مع تواتر القنوات الفضائيه - مؤخرا - على نشر خبر مفاده أن السيد وزير الاوقاف يعكف فى مكتبه – أعانه الله – على إصدار قرار يعرف اعلاميا بالخطبه الموحده أو الخطبه المكتوبه لصلاه الجمعه، بما معناه أن يحصر الخطيب نفسه – موضوعا وصياغه وألفاظا – فيما يرد له مكتوبا من وزاره الأوقاف، وهو فكر يستأهل أن نحيى السيد الوزير عليه، لأنه سيلغى دور الخطيب تماما، وان أى شخص بالغ يجيد القراءه – دون الكتابه - يستطيع أن يحل محله وأن ينهض بما يقوم به، ويا حبذا لو استكمل السيد الوزير قراره الالمعى فألغى - توفيرا للنفقات - كليات الشريعة وعلوم الدين، اذ أننا وقتها لن نكون فى حاجه إلى كل تلك الاعداد من الخريجين المتخصصين، وان تفاقمت الحاجه فيمكننا أن نستعين ببعض العناصر من المحليات – وهم كثير – أو بعناصر ممن اجتازوا بنجاح دورات محو الاميه تشجيعا وتحفيزا لهم.
سياده الوزير: تعودت أن أميز نفسى وأن يميزنى من يعرفونى بأنى (مسلم وسطى يميل إلى بعض التحرر)، وتعودت أن أكون دوما فى الفريق الذى ينادى بفصل الدين عن السياسه، ولطالما كررت أقوال – اقتناع - على شاكله :- (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) و(الدين لله والوطن للجميع)، وكان رأيى دوما أن الدين يجب أو يوظف أساسا لضبط معاملات الافراد بينهم وبين بعضهم، وبينهم وبين أولى الامر بالشكل الذى ينعكس ايجابيا على المجتمع، وكان رأيى دوما أن ما نراه من سمو ورقى فى المجتمعات الغربية ما هو إلا تطبيقا لتعاليم الاسلام فيما يختص بجانب بالمعاملات، ودعنى أصارحك القول سيادة الوزير بأن قرارك المزمع هو عين دخول السياسة فى الدين، وهو لا يختلف من قريب أو بعيد عن ما كنا نلمسه ونشكو منه فى الماضى القريب عندما كان المرشحون يستغلون المساجد لحملاتهم الانتخابية. وهو مدخلا لاعادة صباغه الاسلام بالصبغه السياسيه التى قد تتوافق معكم اليوم، لكنها قد تتغير لتتوافق مع توجهات غيركم غدا، فهذا حال الزمان، ودوام الحال من المحال كما يقولون، وأخشى أن يجيئ اليوم الذى تكونوا فيه أنتم – وبحسن نيه - قد فتحتم الباب ومهدتم الطريق لأعداء الاسلام كيف يضعوا سمومهم من خلال خطب مكتوبه لا يجد خطيب الجمعة بدا إلا أن يقرأها كلمه كلمه، وحرفا حرفا، دون أن يكون له حقا فى أن يقوم المعوج أو أن يخفف الطاغى منها، ولن تستطيع يا سيدى أن تتعلل وقتها للعزيز القهار بأن نياتك كانت حسنه لأن الطريق إلى جهنم محفوف بالنوايا الحسنه كما يقولون.
سيادة الوزير: عندما أنظر إلى حالة مجتمعنا لا أجد مظهرا مستمرا للاسلام - على الاقل من حيث الشكل - سوى صلاه الجمعة، فلا تسامح ولا عطاء ولا احترام ولا توقير، ولا أى شكل من أشكال المجتمع الإسلامى اللهم إلا صلاة الجمعة، والتى باتت تمثل آخر وصله تنفس تضمن استمرار الحياه للجسد الإسلامى، فاذا أتيتم انتم وعملتم ما تنوون فعله فقد خربتم آخر شريان حياه للجسد الاسلامى فى مصر، وسيذكركم التاريخ دوما بأنكم من ردمتم آخر معين للإسلام فى مصر، ولو كنت مكانك لتراجعت فورا عما أفكر فيه، ووضعت همى فى دعم صلاة الجمعة بأقصى ما تستطيعه وزاره الاوقاف، وانتخبت للمساجد خير الأئمة واكثرهم تأثيرا، وحصرت لهم فقط الموضوع وتركتهم ليصولوا ويجولوا فى رحابه، بدلا أن يأتى يوم ندخل فيها بيوت الله فنجدها خاوية تبكى، وتدعوا على من جعلها هجرا مهجورا.. اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.