هناك حالة من الازدواجية بالمعايير لهذه المنظمات، "دكاكين حقوق الإنسان" التى تدعى الدفاع عن حقوق الإنسان وتحدثنا دائماً عن حرية الرأى والتعبير، فبينما هى تنتقد بعض البلدان فى هذا الملف الحقوقى وتقوم بعملية تشويه ممنهجة ضمن النهج الاستعلائى والوصائى تجاه هذه الدول، تتجاهل تماماً الحالة المتردية التى وصلت إليها بلدان أخرى تجمعها معها مصالح مشتركة وعلاقات مسيسة، وابتعدت بالأنظار عن الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان فى هذه البلدان فى ظل ما تشهده تلك البلدان من انتهاكات وتجاوزات واضحة فى مقدمتها المخاطر التى يواجهها المهاجرين واللاجئين والأقليات العرقية، العنصرية الممنهجة، خطاب الحض على الكراهية، والعنف ضد المرأة والجرائم التى ترتكب ضد القصر، وعنف الشوارع وغير ذلك من التجاوزات والجرائم المرتكبة فى حق المجتمع المدني.
فما هو المعيار الحقيقى لهذه القضايا الحقوقية وهل يختلف المعيار من دولة لأخرى أو من مكان لمكان أم هى أسس ثابتة المعيار والاتجاه وهل البلطجة والفوضى، البطش على سيادة القانون أصبح حريات رأى أم هى جرائم ليست حقوقية فقط وإنما جنائية أيضاً أليس الحفاظ على حقوق الوطن الذى يعيش فيه المواطن هو أيضاً يكفله مبدأ الحقوق والحريات أم هى حقوق ومطالب لطرف دون الأخر .
حقوق الإنسان هى فى الأصل مجموعة الحريات والأعراف مستمدة فى الأساس من القوانين والمواثيق التشريعية فهى علاقة تكامل مع سيادة القانون وتشريعاته ولكن كيف الحال إذا اختُرقت القوانين وانتهكت المواثيق هل يمكن بعد ذلك إعتبارها قضايا حقوقية فى ظل غياب مشروعيتها وعدم تقنينها فى إطار تنظيمى مجتمعى يضعها فى شكل واقع تشريعى ملموس يحولها من حريات مطلقة إلى حريات منضبطة تقود المجتمع إلى حالة من الوفاق والسلام الاجتماعى ومن ثم خلق المناخ الصحى لحوار مجتمعى بناء قائم على نتيجة واحدة فقط هى المصلحة العامة للأوطان دون المساس بالاستقرار واستقلالية القرار.
فلو تطرقنا للشأن المصرى فى هذا الملف نجد أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تطبيق حقوق الإنسان بمفهومها الشامل والذى ينبع من إرادة سياسية وطنية خالصة، والالتزام بتعهداتها تجاه الاتفاقيات والمواثيق الدولية التى أبرمتها، والعمل على تحقيق مصلحة المواطن المصرى وتلبية تطلعاته فى الحياة الكريمة وصون حقوقه وحرياته حيث تتضافر جهود جميع مؤسسات الدولة المعنية لتحقيقه.
ولا يُنسى فى ذلك التجربة الرائدة لمبادرة حياة كريمة، والتوجه نحو حوار وطنى يضم كافة فئات الشعب تنفتح فيه على كافة الأطراف السياسية دون إقصاء لأحد والذى أحدث حالة من الحراك والنشاط داخل مختلف الكيانات ليصطف الجميع فى تحقيق صالح الوطن إلى جانب وضع إطارًا مؤسسيًا واضحاً للإفراج عن المحبوسين والسجناء
ما لم تلحق بهم قضايا جنائية تم ذلك من خلال إنشاء لجنة العفو الرئاسى والتى تمارس عملها فى إطار من العلانية والشفافية ونشهد يومًا بعد يوم خروج دفعات متتالية
مما يبرهن رغبة الدولة فى إحترام الحقوق والحريات.
وعلى الرغم من هذا كله لم تسلم مصر من انتقاداتهم المستندة على ادعاءات تجافى الواقع جملةً وتفصيلاً والتى تريد النيل من أى إجراءات أو إنجازات حقوقية تقوم بها الدولة وهو ما يؤكد عدم المصداقية وتعمد تغافل حقيقة الأوضاع فى الشارع المصرى مما يعكس النظرة المتحيزة الغير موضوعية تجاه حقيقة الأوضاع فى مصر والاستهداف غير المبرر بتقارير مسيسة تغيب عنها المعلومة والشفافية أو حتى الحيادية.
كل هذه الدلائل والبراهين تؤكد أن هذه المنظمات تخلت تماماً عن دورها المحورى فى الدفاع والانحياز لحقوق الإنسان التى تكفلها القوانين والمواثيق الدولية وعملت تحت مظلة توظيفية لأهداف سياسية تخدم دول أو أحزاب وجماعات تربصية لذلك فإن تقاريرها تأتى مصبوغة بصبغة سياسية وليست حقوقية غابت عنها الحيادية والشفافية فيما يطلق عليه «بيزنس حقوق الإنسان» فروجت الأكاذيب وضاعت معها سيادة القوانين وأصبح الإنحياز للمصالح والأهداف الخبيثة هى سمة هذه المنظمات وصدق الله العظيم إذ يقول
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ".