"الموت يهمس باستمرار في أذني: عِشْ، فأنا في طريقي إليك"، هذه مقولة "سير أوليفر هولمز"، قطعًا هناك عدد لا بأس به ستُصيبه هذه المقولة باليأس والإحباط، لأن فيها كلمة (الموت)، التي تُسبب الذعر لكل مَنْ يسمعها، أو يشم رائحتها عن بُعد، علاوة على أن العبارة تؤكد مدى قُرب الموت من الإنسان بشدة، ولكن مَنْ يقرأها بتمعن، سيُدرك أنها تدعو إلى قمة التفاؤل، فهناك كلمات لو ركزنا فيها سنتيقن أننا نُهدر الكثير من الوقت بلا طائل، وبلا جدوى، وهذه الكلمة هي "عِشْ"، فهي فعل أمر، إن الموت يأمر الإنسان ويحثه على الاستمتاع بالحياة، وعدم هدرها بلا داعٍ، فمعنى كلمة "عِشْ" أي اعمل، واجتهد، والعب، وتعبد، واستمتع بالحب، واستمتع بكل عناصر الحياة.
فالاستمتاع بالحياة لا يقتصر على السعادة فقط، ولكن يعني تجربة كل أحوالها، واكتساب كل خبراتها من التعايش مع كل مُفرداتها.
وبالمُناسبة، ليس المقصود بالموت هو خروج الروح من الجسد، والانتقال إلى الحياة الأخرى فقط، ولكنه يعني كذلك الموت المعنوي، وهو العُزلة، واليأس، والإحباط، والخوف المرضي، وكل ما فيه قتل للروح ونبض الحياة.
فإذا أردت أن تعرف قيمة الحياة، فتخيل نفسك وأنت تُغادرها، وتذكر كم من الأشياء لم تُقدم على الاقتراب منها أو تجربتها، وكم الأحلام التي لم تُحققها، وكم من الأحاسيس لم تشعر بها بعد، وكم.. وكم... فلو كررنا تلك الكلمة، ستنفذ كل أحبار الأقلام، وستنفذ كل الأوراق، ولكن هذه الكلمة لن تنفذ أبدًا.
لأننا ندخل في بوتقة حياة مُعينة، ونرفض التسلل منها لسنوات عديدة، وفجأة نكتشف عند إدبار العمر، أننا لم نُجرب أشياء كثيرة، وأن الحياة حقًا قصيرة، ولم يكن هناك داعٍ للإحجام عن أمور لو كنا أقدمنا عليها، كنا بالقطع سنسعد به، وربما كانت ستُغير من بعض مفاهيمنا المغلوطة عن الحياة.
فتذكروا الموت عندما لا تُدركون قيمة الحياة، فربما لحظتها تعرفون قيمة أن تسعدوا بحياتكم، وأن تحفروا بصماتكم حتى تكون مجد وعزة لكم في حياتكم، وأجمل ذكرى بعد رحيكم.