ثبت بالدليل القاطع أن الأحاسيس الإنسانية لا تكون البرهنة عليها من خلال الكلمات، أو العُهود والوُعود، فكم من شخص أقسم على أنه صادق، وثبُت كذبه فيما بعد، وكم من شخص عاهد على ألا يخُون، وتبين خيانته بما لا يدع مجالاً للشك.
وللأسف، أغلب البشر لا يشعرون بالراحة إلا إذا قُطِعَتْ أمامهم العهود، فهذا يُشْعرهم إلى حدٍ ما بنوع من الاستقرار والطمأنينة، ولكن تأتى الأيام وتُؤكد أن كل الكلمات التى صدرت فى هيئة عُهود أو وُعود أو أيمانات لم تخرج عن كونها كلمات، فهى لم تُترجم على الإطلاق إلى أفعال، لذا تحدث الصدمة بالنسبة للمُتلقى، فهو يبنى كل أحلامه وآلامه وأحاسيسه على تلك الكلمات، ويتمنى فى قرارة نفسه أن تكون صادقة وحقيقية، ويتناسى أو ربما يتغافل بملء إرادته عن أن الكلمة إن لم يُصادقها الفعل أصبحت بلا قيمة أو جدوى.
لذا إذا أردت أن تعرف ما فى قلب وضمير شخص ما ناحيتك، عليك ألا تطلب منه أن يُقدم لك الأدلة والبراهين، كل ما فى الأمر أنك ستترك الأيام والمواقف هى التى تُثبت لك قيمتك عنده، فمَنْ يشترى خاطرك لا يحتاج أن يُقْسم لك على ذلك، لأنك ستعرف من خلال تصرفاته التلقائية التى لا ريب فيها، ومَنْ يخدعك ويتلاعب بك، ستكتشف أمره عاجلاً أم آجلاً، فالأمر كله مسألة وقت من ناحية القدر، ومُحاولة ذكاء من ناحية الطرف الآخر، وفكرة فراسة وحدس من ناحيتك. وفى النهاية ستتجلى الحقيقة فى أصدق صورها دون تزييف، أو حتى محاولة للتجميل.
ولكى تقى نفسك شر الصدمة، لا تحكمْ على علاقاتك بالآخرين من خلال كلماتهم فقط، بل دع الأيام هى التى تُبرهن لك على كل شيء، فهى الأصدق مهما كانت فراستك، لأنها دائمًا ما تضع العلاقات الإنسانية فى اختبارات حقيقية، لكى تكشف كل إنسان أمام نفسه وأمام الآخرين، بدون أيمان، أو عُهود، أو وُعود.
فالواقع أثبت أن مَنْ يُقْسم فهو يُقْسم على الغيب، أو من أجل إرضاء الطرف الآخر، لاعتقاده أنه سيصدقه القول، أو ربما تكون نيته مُتجهة إلى الخداع من البداية. فلا تُرْهق نفسك بالتفكير، ودع المواقف تقول كلمتها الأخيرة.