"مصر هبة النيل" مقولة نعرفها، وردت على لسان المؤرخ "هيرودوت" ونرددها كثيرا حتى أصبحت أمرا مستقرا، ونزعم أنها فعلا ليست هبة النيل، لمبرر منطقى وحيد ورئيسى، أن هذا النهر العظيم يمر بكثير من البلدان الأفريقية، مواطن نشأته وصولا لمصر بلد المصب النهائى له، فمن غير المعقول أن تنشأ حضارة على ضفاف بلد واحد كمصر دون باقى البلدان الأخريات التى يمر بها النهر طول رحلته التى تتجاوز آلاف الكيلومترات.. وبالتالى ينهار منطق أن مصر هبة النيل، فالنيل ليس من البخل بحيث يحصر هبته وعطيته لمصر ويحرمها عن البلدان الأفريقية الأخرى ولا يتصور عاقل أن يكون الخير لبلد والحرمان للباقى دون مبرر منطقى.
لذا المنطق أن مصر، هبة المصريين أو بالتحديد هبة المصرى القديم، فهو من طوّع النهر وهو من أقام الحضارة على ضفافه وهو من أنشأ أول دولة سياسية مركزية فى التاريخ ثابتة الحدود.
مصر دولة أُقيمت بها حضارة عظيمة لا زلنا نتغنّى بها ونقتات على خيرها وآثارها، ربما كان النيل عاملا ثانويا فى نشأة الحضارة، لكنه لم يكن أبدا واهبا لها، سر قوتها هو المصرى، العنصر البشرى لا أكثر ولا أقل ونزعم ثانية أن المصريين القدماء لو وُجدوا فى منطقة جغرافية أخرى لأقاموا ذات الحضارة التى تركوا آثارها لنا، دليل إحراج وتعجيز للكافة.