فى غمرة حياتنا وازدياد انشغالاتنا وكثرة همومنا، نسينا أن الرسول (عليه الصلاة والسلام) قد أوصانا على سابع جار؛ مما يدل على أن الجيرة شيء مقدس فى حياتنا، فلو ركزنا قليلاً، سنكتشف أن الجار أحيانًا يكون أقرب وأنفع من الأخ الشقيق والصديق الصدوق ؛ لأنه باختصار هو من ينجدنا وقت الشدة فى اللحظات الحرجة، فحينما يتعرض أحد لكارثة فى وقت متأخـر جدًا من الليل، وجميع الناس يكونون نيامًا، والشوارع تكون ساكنة، فلا يجـد هذا الشخص من يعينه، ويشد من أزره ويقف إلى جواره سوى جاره؛ لأن أخيه أو صديقه سيحتاجان إلى كثير من الوقت لكى يصلا إليه، وربما لن يعرفا ما حدث له إلا بعد مرور الكثير من الوقت، فى حين أنه يكـون فى أمس الحاجة إليهما لإنقاذه السريع، لذا قيـل فى الأمثال: "اختار الجار قبل الدار".
وهذا المثل مأخوذ عن قصة لرجل كان جارًا لـ(أبى دلف البغدادى)، حيث ساء حال هذا الرجل واشتدت حاجته، وتكاثرت عليه الديون، فما استطاع إلا أن يلجأ إلى بيع بيته ليسدد التزاماته، وبالفعل عرض منزله للبيع مقدرًا ثمنه بألف دينار، إلا أنها كانت لا تساوى أكثر من خمسمائة دينار، وأبيع جوارها بخمسمائة دينار أخرى، فلما عرف (أبو دلف البغدادي) بمدى تقدير جاره له، سدد ديونه ووصله وواساه فى مصيبته.
فبالفعل اختيار الجار أهم كثيرًا من اختيار الدار؛ لأن الأول هو من يجعلنا نشعر بمتعة السكن وراحة البال، والإحساس بالطمأنينة؛ لأننا لدينا من يقف معنا وقت حاجتنا إليه قبل أن نسأله. لذا، احرصوا على اختيار الجار قبل الدار، فالإنسان يبقى، والبناء قد يزول أو يتغير.