البعض لا يقبل النصح إلا من الشخص الذي يعتبره كاملاً من وجهة نظره، أما مَنْ دون ذلك فهو يبدو من وجهة نظره غير أهل لأن يكون ناصحًا، ومن هنا لا يقبل منه النصح، حتى لو كان حقيقيًا ومُصيبًا كبد الحقيقة.
فعلى سبيل المثال، لو نصح الأمِّي أحد الأشخاص بضرورة العلم، لا تُقبل نصيحته، بل على العكس تُقابل بالاستهجان، وأول ما يتبادر إلى ذهن مُستقبل النصيحة،هو كان الأحرى به أن ينصح نفسه ويتعلم.
ولو نصح شخص فاسد أحد الأشخاص بألا ينزلق في هاوية الفساد والضياع، يُقابل نُصحه برفض شديد، بل وباستياء أشد، في حين أنه ربما ينصح مَنْ أمامه، لأن تجربة فساده وضياعه جعلته يندم، ولذا يُحاول منع الآخرين من أن يصلوا إلى ما وصل إليه.
ولو قدم النصح شخص فقد شيء هام في حياته، مثل علاقته الأسرية، أو ثروته، أو أحد أصدقائه، واعتبر نفسه فاشلاً في بعض الأمور الحياتية، فبالتبعية سينظر له مُستقبل النصيحة على أنه ليس لديه الخبرة الحياتية أو التجربة الناجحة التي تُؤهله لأن يُقدم نصائح، بدليل فشله في كل هذه العناصر أو أحدها على الأقل.
ولكن السؤال، هل هناك شروط لابد أن تتوفر في مُقدم النصيحة، أم أن القضية تنحصر في موضوع النصيحة فقط؟ فلو تفكرنا في الأمر جليًا، سيتكشف لنا أن الكلمات والنصائح هي التي تترك أثرًا بداخلنا، فهي التي تُغير مجرى حياتنا، مهما كان مُقدمها، فالنصائح كالبضائع، الذي يهم فيها هو مدى جودتها وقوتها ومُلاءمتها لنا، فنحن لا نكلف أنفسنا عناء السؤال عن صاحب البضاعة، هل هو مُتعلم أم لا، جيد السمعة أم لا، ناجح في حياته أم لا، يستعمل بضاعته أم لا، وغيرها من الأسئلة، أظن أننا لا نعبأ بها على الإطلاق، فكل ما يهمنا هو البضاعة فقط.
وهذا ما يتعين علينا التعامل به مع النصائح، فلا يهم إن كان مَنْ يُقدمها يعمل بها أم لا، ولا يهم إن كان ناجحًا في حياته لدرجة المثالية أم لا، المهم هو مدى احتياجنا للنصيحة، ومدى قُدرتها على تغيير حياتنا وسُلوكياتنا إلى الأفضل، فليس من المنطقي أن نقوم بعمل كشف هيئة لمُقدم النصيحة، حتى نُقرر قُبولنا لنصائحه من عدمه.
بقلـــم
د./ داليا مجدي عبد الغني