لابد للإنسان أن يعمل فلترة لعلاقاته على كل المُستويات من آن لآخر، لأن الجهاز العصبي للإنسان مثل أي جهاز في الحياة لديه قدرة على التحمل والاحتمال ومساحة لسعة التخزين، وإلا سيُهنّج، وسيتعطل عن القيام بوظائفه بالشكل المطلوب.
ولا خلاف على أن السبب الرئيسي في إجهاد الجهاز العصبي هو البشر ومواقفهم وسلوكياتهم التي تترك أثرًا ما على الإنسان، فإما يتحول إلى شخص حزين أو سعيد، قوي أو ضعيف، قادر أو عاجز، إيجابي أم سلبي، ودود أم عُدواني، اجتماعي أم انطوائي.....
والسبب في ذلك هو إصراره على استمرار بعض الأشخاص في حياته، وهذا الإصرار قد يكون إيجابيًا في أحيان كثيرة، عندما يكون هؤلاء الأشخاص لهم أثر إيجابي على حياته، وقد يكون سلبيًا عندما يجد نفسه يتحول إلى الأسوأ، لدرجة أنه في بعض الأحيان يصل إلى مرحلة عدم معرفة نفسه.
وعلينا أن نُدرك أن مرحلة الفلترة هامة جدًا في حياتنا، فلابد أن نفعل ما تفعله الشركات والمُؤسسات، عندما تقوم بجرد مخازنها، وإحصاء حساباتها، ومُراجعة دفاترها، وذلك بأن نجرد عدد الأشخاص المُقربين في حياتنا، وإحصاء إيجابياتهم وسلبياتهم معنا، ومُراجعة مواقعهم وسُلوكياتهم وأفعالهم، ونترك الحكم لعُقولنا دون أن ندع للعواطف المجال في التأثير على قراراتنا وأحكامنا.
فالذاكرة تظل تُسجل كل مواقف من حولنا، وبالتبعية نجد أنفسنا نحمل الحُب للبعض شكلاً وموضوعًا، ونرفض البعض الآخر بل ونندم على دُخولهم حياتنا، بسبب كمّ المُعاناة الذي تسببوا فيه لنا، ولكن الشخص القوي فقط هو مَنْ يفلتر علاقاته، ويُقرر أن يخرج هذه النوعية من البشر من حياته، حتى يظل جهازه العصبي نقيًا ونظيفًا ومُهيئًا لمُعاملة الحياة، ومُجابهة تحدياتها.
وبالمُناسبة، ففلترة العلاقات لا تعني أننا نُنحي مشاعرنا جانبًا، ونتخلى عن المُقربين منا، ولكنها تعني أن ندع مَنْ لا يستحق حتى لا يُحولنا إلى أشخاص غير أسوياء، ونتمسك بمَنْ يستحق حتى تُعطيه حقه من وقتنا ومشاعرنا، وأن يكون لدينا مساحة واسعة لدخول أشخاص جديدة، ربما يكونوا يستحقون، أو على الأقل نكون في حالة تسمح بالتجارب الجديدة.