حماتى... الله يرحمها كانت ست كويسه جدا.... بنت أصول صحيح , وما يفوتهاش الواجب.
كنت أحبها زى والدتى تماما, وكانت الله يرحمها تعتبرنى أبنها التالت..
من ييجى عشريييين سنه كده نادت عليا حماتي:
- محمد... تعالى أنا عاوزاك.... ثم أردفت:- أنا عاوزه أأمنك أمانه.
- أنت تؤمرى يا نينه ( هكذا تعودت أن أناديها).
- أنا عاوزه أديك فلوس الصباحيه بتاعه ولادك من دلوقتى.
باذبهلال عفوى ناتج عن المفاجأه رديت عليها
- ولادى مين يا نينه؟؟؟ , وفلوس صباحيه ايه ؟؟
- ولادك... أحمد ومريم...أصبح عليهم زى ما بنصبح على العرسان تانى يوم الدخله.
انتابتنى لحظات من الحيره فما عهدت عليها الا رجاحه العقل والحكمه, الا أننى قلت فى عقلى خليك معاها لآخر المشوار:
- بس أحمد ابنى يا نينه يادوبك عنده 6 سنين , ومريم لسه ماكملتش الخمس سنين. يعنى مفيش جواز خالص اليومين دول.
- محمد... ما تتعبنيش معاك !! أنا عارفه انك فاهمنى بس أنت بتحب تعمل نفسك مش فاهم...ثم أستطردت: أنا هديك 200 جنيه لكل عيل تحطهم فى دفتر توفير خاص بيه , وما تحطش انتى فلوس فى الدفتر خالص لغايه العيل من دول ما يتجوز تروح البنك وتسحب المبلغ بالفوايد وتديهوله وتقوله دى نقطه تيتا اللى يرحمها.
حاولت اثنائها عما تفكر فيه, ولما لم أجد مفرا أنحنيت على رأسها وقبلتها, وأنا أدعو لها بالصحه وموفور العمر. وفى اليوم التالى مباشره ذهبت إلى أحد البنوك الاهليه وفتحت دفترين توفير للاولاد بذات المبالغ التى اعطتنى اياها حماتي, ثم كررت ذات الموضوع بعد ذلك بخمس سنوات عندما منحنا الله ابنتى الصغرى "حبيبه".
مرت على تلك الواقعه أكثر من عشرون سنه كنت فى بداياتها حريصا على الذهاب إلى البنك كل عام لاضافه الفوائد على الدفاتر, وكم كانت تنتابنى مشاعر الغبطه كلما تكاثر الحساب عاما بعد عام وأتخيل قيمه المبلغ عندما يكبر الاولاد, واتخيل دهشتهم عندما نعطيهم هديتهم التى وهبتهم اياها جدتهم رحمها الله منذ أكثر من عشرين عاما, لكنى مع الوقت ومنذ ما يقرب من العشر سنوات بدأت أتكاسل عن المتابعه بدعوى أن الفوائد ستضاف على الرصيد آليا ومن ثم فلاداعى للذهاب.
اليوم تحديدا انتهزت فرصه أن مريم - وبعد أن تزوجت ورزقها الله بأبنه جميله - موجوده لدينا فى طنطا , فأخذتها إلى البنك لصرف ما تراكم فى البنك لها عبر عشرون عاما.
بسرعه دفعت بالدفتر إلى الموظف وبجوارى تقف مريم, وعقلى يبدو شاردا يتوقع المبلغ الذى وصل اليه الحساب, وأتخيل فرحه ابنتى بالمبلغ – خصوصا أنه يأتى من جدتها التى رحلت عن عالمنا منذ سنوات وسنوات, حتى قطع الموظف حبل أفكارى قائلا:
- 108 جنيه يا افندم.
- 108 ايه مش فاهم ؟؟؟
- الرصيد اللى فى الحساب وصل 108 جنيه
- هو الرصيد عندكم بيوصل لفوق ولا بيوصل لتحت.
- لا يا افندم الرصيد عندنا بيوصل لفوق , بس سيادتك ناسى أن فيه رسوم سنويه بتتاخد على الدفتر.
- يعنى انت عاوز تفهمنى ان الرسوم كانت اكتر من الفوائد وان الفرق كانت بيتاخد من المبلغ الاصلى.
- تمام يا افندم.
لم أجد بدا من مواصله هذا الفاصل الكوميدى فأنهيته حازما:
- خلاص يا استاذنا, انا عارف ان مفيش منه فايده ثم أضفت: من فضلك اصرف لنا ال 108 جنيه دول.
- ما ينفعش يا افندم لازم حضرتك تسيب على الاقل 50 جنيه فى الحساب علشان رسوم السنه الجايه.
- يا سيدى ما هو انا مش هقعد معاكم للسنه الجايه.
- ولو يا افندم..... طالما دخلت فى السنه الجديده يبقى لازم تسيب خمسين جنيه فى الحساب.
- طيب أنا هاقولك حاجه , وعلى رأى المثل " قال يا نحله لا تقرصينى ولا عاوز منك عسل"... ايه رأيك تقفلنا الحساب خالص.
- ما شى يا افندم , بس فيه مصاريف قفل الحساب قيمتها خمسين جنيه.
لم اتمالك نفسى وقتها فأخذت أنظر يمنه ويسارا لعلى أجد ايد هون أخبطه بها, أو أجد غطاء حله أهوى بها على أم رأسه, أو رجل كرسى اسحق بها زجاج الكابينه التى يتوارى خلفها, فلما لم أجد تركته وسحبت مريم برفق وهى تشير للموظف: خلاص... خلاص.... حلال عليكم حتى خرجنا من البنك, وما ان ركبت عربتى حتى انتابتنى نوبه ضحك هستيري, ولاأكاد أتمالك نفسى خلالها حتى أردد صارخا آآآآآآآآآه يا نينه.....آآآآآآآآآآآآآه يا حماتى.