الرعونة والتهور هما بداية الندم، فالندم هو حصاد تسرعنا وإقدامنا على المواقف دون دراستها، فردود أفعالنا لو لم يسبقها تفكير وتروٍ، سوف تنقلب إلى كوارث لن يجنيها سوانا، فالمولى عز وجل حينما وهبنا نعمة "العقل"، كانت حكمته بالقطع أن نتغلب على التعصب الفكرى الذى يسيطر كثيرًا علينا، ويجعلنا نأتى بتصرفات تُخرجنا عن طور العقل والحكمة، وتُودى بنا إلى التهلكة، وكما قال المثل "سبق السيف العزل"، فلو عرفنا أصل هذا المثل، سنكتشف أن التهور نتائجه دائمًا لا تُحمد عقباه.
فقد كان هناك رجل عربى اسمه "ضبة بن آد بن طانحه" وكان عنده إبل هربت فى ليل من الليالى وذهبت بعيدًا، وكان عند ضبة ولدين اسمهما "سعدًا" و"سعيدًا" أرسلهما ليبحثا عن الإبل فى الصحراء، فذهب كل منهما فى طريقه للبحث عن الإبل، فوجدها سعد ورجع بها إلى أبيه، أما سعيد فلم يرجع، حيث إنه عندما ذهب للبحث عن الإبل كان يرتدى ملابس فاخرة، فرآه رجل اسمه "الحرث بن كعب" وحيدًا، فطلب منه أن يعطيه الثياب، فرفض سعيد، وكان "ضبة" كلما رأى شخصًا مقبلاً من بعيد قال: "أسعد أم سعيد؟" ثم بعد فترة طويلة قرر "ضبة" أن يذهب لمكة ليحج، وبينما هو يسير فى سوق عكاظ، وهى سوق عربية قديمة فى مكة، رأى "ضبة" "الحرث" وعليه ذات ثياب ابنه سعيد، فعرفها "ضبة"، فقال للحرث: "من أين لك هذا الثوب الفاخر؟ وما قصته؟"، فَقَصَّ عليه "الحرث" قصة الغلام، وقتله إياه بالسيف، فقال "ضبة": "قتلته بسيفك هذا؟"، فرد عليه "الحرث ": "نعم"، فقال "ضبة": "فأعطينيه أنظر إليه، فإنى أراه سيفًا قويًا"، فأعطاه "الحرث" سيفه، فلما أخذه من يديه هزه، وقال: "الحديث ذو شجون"، ثم ضربه حتى قتله، فقال له الناس: "يا ضبة، أفى الشهر الحرام ؟!!" فقال "ضبة": "سبق السيف العزل"، أى "سبق السيف العقل".
وبالفعل، فكل أدوات التهور تكون كالسيف فتاكة، فاللسان المتسرع بالخطأ، والأيدى الباطشة دون تعقل، والقرارات الانفعالية، كل هذا يكون خارج إطار التعقل، وتكون نتائجه قمة فى السوء والانهيار، ولا نجنى من ورائها سوى الندم، ولن نقول حينها أننا وصلنا إلى "وقت لا ينفع فيه الندم"، فمن يستطيع أن يعيد الزمان إلى الخلف، ويتجنب نتائج تهوره ورعونته، التى فى الغالب لا يدفع ثمنها وحده، وإنما يشاركه فيها الكثير من الضحايا. فارحموا أنفسكم وحَكِّمُوا عقولكم.